وأوضاع أخرى بشعة, وظلم واستبداد لا نظير له، ولا ينكر شيء منها، وبطالة وكسادًا في كل نواحي الحياة، والملاحظ أن شياطين العلمانية قد فسَّروا كل تلك الأوضاع على أنها إحدى نتائج التدين، وأنَّ الدين وراء هذه الأوضاع السيئة كلها, بمباركته رجال الكنيسة هذا التسلُّط والجبروت، فإذا بالنظريات الإلحادية تقوم على محاربة وجود الله تعالى, ومحاربة رجال الدين, وأن الاقتصاد ينبغي أن يتحرَّر عن كل أغلال الكنيسة, وأن يتَّجه صوب الأفكار التحررية التي يجود بها زعماء التحررية بعيدًا عن الدين، وفي الوقت نفسه, لم يكن لدى رجال الدين الكنسيّ ما يسعفهم بالدفاع عن دينهم إزاء هذه المسامير التي تُدَقُّ في نعشه.
وتكاثرت السكاكين على هذا الثور الميت, وارتفعت الأصوات من كل مكان تندد بالدين, وبطرقه الاقتصادية الجائرة، وتدعو إلى سرعة الانفلات عن تعاليمه التي أصبحت بالية, ولم تعد صالحة في عصر التطور وظهور النور, وبالتالي فلا سلطة لله تعالى, ولا لرجال الكنيسة على المارد الجديد الذي هبَّ ليدفع الظلم الذي رضيه الله -حسب زعم أقطاب العلمانية- لرجال الكنيسة، وبخبثٍ حوَّل هؤلاء الأقطاب العداء لرجال الدين, وللأوضاع السيئة إلى العداء للدين نفسه، وتحميله كل تلك المآسي دون أن يكلِّفوا أنفسهم البحث عن حقيقة هذا الدين الذي اتَّسع لقبول تلك المآسي كلها، وهل هو دين صحيح أم هو باطل وضلال وتلفيق من كبار المخادعين النصارى، فلم يهتموا بالالتفات لذلك لحاجةٍ في أنفسهم؛ لكي يحمِّلوا الدين تلك الأوضاع الاقتصادية المتردية.