لقد خرجت أوربا عن الدين واعتبرته العدو اللدود للحكم والاقتصاد وللعلم وللحياة الاجتماعية بأسرها، وللأخلاق وللآداب والفنون، بل في كل مجالات الحياة.
وتضافرت جهود علماء اللادينية وتعالت أصواتهم يصدِّق بعضها بعضًا في حملتهم على الدين والتدين والقائمين عليه، يصفونهم بالجهل والغباء والتزمُّت والتطرُّف ومعاداة الحياة السعيدة ... إلى آخر ما جادت به قرائحهم من فنون السباب للدين وأهله, وللمتمسِّكين بالحشمة والحياء.
ثم ظهر نفاق جديد لدعاة اللادينية مفاده أن التمتُّع بالحريِّة كاملة يستوجب حرية التدين أو تركه، ويتظاهر هؤلاء أنهم حتَّى وإن كانوا ينادون باللادينية، إلّا أنهم ليسوا ضد الدين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فهذا هو شرع التمدُّن الجديد الذي لا حجر فيه على أيّ معتقد، فمن شاء أن يذهب إلى الكنيسة فليذهب, ثم ليخرج إلى حوانيت الخمَّارة, وأماكن الدعارة, ويمارس الفواشح كيفما يحلو له، كل هذا يتفق تمامًا مع التطور الجديد، وعلى أصحاب العقول أن يغطّوا نور عقولهم, ويصدقوا بإمكان وقوع هذا كله، أي أن يكون الإنسان دينيًّا وهو في نفس الوقت لا دين له، بل ومعادٍ للدين، ولا يكون تناقضًا!!
وهذا من غرائب ما اهتدى إليه اللادينيون بعقولهم التي انفلتت عن الأديان، بل عن الله -عز وجل، وأحلَّت محل الله شركاءهم، فجعلوهم محلَّ التقديس والإكبار, تحت مسمَّى إنسانية الإنسان والطبيعة والصدفة