والجواب عن هذا السؤال هو أن نسأل دعاة الإنسانية: هل يمكن أن يحققوا تلك الدعاوى الكاذبة؟ وهل يمكن أن يقبل الناس كلهم تلك الحياة التي يدعون إليها؟ إن من السهولة بمكانٍِ أن يتخيل الشخص أشياء كثيرة وتحقيق أماني عديدة فيما يشبه الأحلام السعيدة في عالم الخيال, ولكن من الصعوبة جدًّا أن يراها مطبَّقة أمامه حقيقةً, فإن ما شاء الله أن يجمعه لا يستطيع أحد أن يفرقه, وما شاء الله أن يفرقه فلا أحد يستطيع أن يجمعه, من المعلوم بداهة أن الله تعالى شاء أن يختلف الناس في لغاتهم وفي سلوكهم, وبل وفي دينهم, وأن يختلفوا في أوطانهم "ولذلك خلقهم". فكيف يتمكَّن أولئك الملاحدة أن يغيِّروا ما أراده الله؟ هيهات ذلك, ومتى سيقبل الناس أفكار دعاة الإنسانية ويتناسون أديانهم وأوطانهم ويوحدون سلوكهم ولغاتهم؟ إنها دعوة {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} ١.
إن دعوى الإنسانية دعوى ضالة مخدِّرة لأتباعها, وأرخت لهم زمام الآمال الفارغة, وجمدتهم على ترقب ما تخيلوه على أنَّ ما نادوا به من إماتة الوطنيات والقوميات وسائر الفوارق الخاطئة أمر مستحسن, ولكن في حدود الشرع الشريف, وليس بحسب ما تصوروه أو تصوره القوميون