[الباب السادس عشر: الوطنية]
[الفصل الأول: بيان حقيقة الوطنية]
- حقيقة الوطنية:
الوطنية دعوة برَّاقة وخدعة كبيرة تستثير في النفوس عاطفة حب الوطن في البدايات الأولى, وفي نهايتها يراد بها الانسلاخ من رابطة الدين, والاكتفاء بها في كل وطن له حدود جغرافية, وموالاة أهله على حبه بغضِّ النظر عن أي اعتبار.
وهي نسبة إلى الوطن, أي: الأرض التي يعيش عليها مجموعة من الناس, وقد ظهرت بعد ظهور القومية كرافدٍ من روافد القومية يقصد بها أن يقدّس كل إنسان وطنه فقط, وأن يتعصَّب له بالحق والباطل, وهي بهذا المفهوم لا يقبلها الإسلام ولا يقرها, إلّا إذا كان المقصود بها الناحية الطبيعية التي طبع عليها كل كائن حي من حبه لوطنه الذي يعيش فيه فقط, فإن الإسلام لا يمنع هذا الإحساس والعاطفة, بل يحبِّذه, وكان الصحابة في المدينة يحنّون إلى مكة وجبالها وأوديتها وأشجارها, حتى قال بلال -رضي الله عنه- أو غيره من المهاجرين:
ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلة ... بوادٍ وحولي أذخرٌ وجليل
وهل أردنَّ يومًا مياه مجرَّة ... وهل يبدونَّ لي شامةٌ وطفيل
حتى دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- ربَّه أن يحبِّبَ إليهم المدينة كحبِّهم مكة أو أشد حبًّا.
والوطنية التي نحن بصدد دراستها هي الوطنية الشريرة التي تريد أن تحلّ محلّ الإسلام إلى جانب القومية, ومضيفة إليها بعدًا جديدًا في التفلُّت من رابطة الدين والأخوة الإسلامية, والاكتفاء بالوطنية, وكلتاهما تصب في مجرى واحد وإن اختلفت التسمية.