وبعد أن تَمَّت الغلبة لرجال الديمقراطية, وهيجان الشعوب من ورائهم, للإفلات التامّ من الماضي البغيض المتمثِّل في الإقطاعيين والرأسماليين والبابوات, والدين الذي أحلَّهم تلك المنازل حسب تصورهم التامّ عن الدين, واصل الأوربيون مسيراتهم القوية, فما إن يتحقق لهم مكسب إلّا وتطلعوا إلى ما وراءه في خطوات ممتابعة لم تمهل طبقات السيادة أن يلتقطوا أنفاسهم, وبدأ الأمر في ظاهره أن د عاة الديمقراطية قد حقَّقوا كل شيء, وأن الشعوب قد نالت كل ما تتمناه, وأن مجموع تلك المكاسب قد أصبحت تشكل مذهبًا متكاملًا لا ينقصه إلّا التطبيق والتصدير اسمه "الديمقراطية".
فما هي المكاسب التي تحقَّقَت لهم؟ وهل هي كذلك مكاسب حقيقية أبعدت الشعوب عن شبح ذلك الطغيان القديم حقيقة؟ وأنهم وصلوا إلى تلك الأحلام السعيدة التي كانت تراودهم في أنفسهم؟ أم لم يتحقق ذلك؟ سوف تتضح إن شاء الله أهم الجوانب لتلك الأمور فيما يلي:
- المكاسب التي حققها دعاة الديمقراطية في أوربا:
لقد تحقَّقَ لدعاة الديمقراطية في أوربا مكاسب ثمينة جدًّا وكانت بالنسبة لهم أفضل مما كانوا عليه فيما سبق, ووجدوا فيها عزاء ما تبدو للناظر السطحي, ومن أهمِّ تلك المكاسب التي ظهت إثر تلك الصراعات المريرة للشعوب ضد زعمائهم ووجهائهم الأمور الآتية: