الفصل التاسع: هل تحققت السعادة المزعومة في ظل القومية؟
لقد نادى القوميّون وملؤا الدنيا صياحًا بأن الدعوة القومية ستحقِّق لمعتنقيها كل السعادة, وأنهم سيعيشون في جنة عالية وعزٍّ لا يرام إذا طبّقت الشعوب القومية, سواء أكانت تلك الشعوب عربية أم غير عربية, فالسعادة تنتظر الجميع, وأنها تجمع ولا تفرق, وتؤلف القلوب وتوحّد الأحوال الاقتصادية, وتحقق القوة على الأعداء أيًّا كانوا, إلى غير ذلك من أنواع المديح والتزكية للقومية والقوميين.
ولكن هل تحقَّقت تلك المزاعم لأي قومية من القوميات عربًا أو عجمًا؟ لقد قال بعضهم: إن النَّاس بطبيعتهم فيهم غرائب لؤم, فإن الشخص يبغض الآخرين؛ لأنهم لا يتكلمون بلغته, فإذا تكلموا بلغته فإنه يبغضهم؛ لأنهم ليسوا من وطنه, فإذا كانوا من وطنه بغضهم؛ لأنهم ليسوا من قبيلته, فإذا كانوا من قبيلته بغضهم حسدًا على ما عندهم.
والعرب بحدِّ ذاتهم حينما مالوا إلى القومية ووالوا وعادوا من أجل العروبة, ماذا كانت نتيجتهم, لقد ازدادوا فرقة وفقرًا وعداوةً فيما بينهم, وكاد بعضهم للبعض الآخر, بل ودرات بينهم حروب شرسة حين بغى بعضهم على بعض ببركات حب القومية, وافتخار كلٌّ بقومه, فقامت الأحزاب والتكتلات الصغيرة والكبيرة على حمية القومية الجاهلية, فازدادت المسافة بينهم وبين الوصول إلى السعادة المنشودة في ظل القومية, وليت هؤلاء الهاربون عن طريق