للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السعادة الحقيقية يرجعون بذاكرتهم إلى تاريخهم المشرق, ويتذكرون حين قال رسول سعد بن أبي وقاص لرستم حينما سأله: ما الذين أخرجكم علينا؟ فقال له: أُمِرْنَا أن نخرج الناس من عبادة العبادة إلى عبادة رب العباد. وفي نهاية اجتماعهم قال له: "واعلم أن لكم عندنا ثلاث خصال, إمَّا الإسلام أو الجزية عن يد وأنتم صاغرون أو القتال". وهو كلام ما كان يحلم به العرب في يوم من الأيام أن يواجهوا به سادة الفرس الذين كانوا يعتبرون العرب أذلَّ البشر قبل أن يعزهم الله بالإسلام, وقبل أن يصبحوا خير أمة أخرجت للناس, حينما نبذوا جميع الخرافات الجاهلية وافتخروا بدينهم, فوجدوا السعادة الحقيقية فيه، تراحموا بعد أن كانوا أشدَّ الناس عداءً فيما بينهم, يقهر القوي الضعيف, ويستعبد الأغنياء الفقراء, تراحموا حتى أصبحوا كالجسد الواحد يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة, يقول الشخص منهم للآخر: تعال أقاسمك مالي وأهلي, فيقول له صاحبه: بارك الله في مالك وأهلك, دلني على السوق, تراحموا حتى مدحهم رب العالمين بقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} ١.

ولقد نجوا من الهلاك الذي كان ينتظرهم باستمرارهم على الشرك؛ حيث امتنَّ الله عليهم بذلك فقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ٢.


١ سورة الفتح: الآية: ٢٩.
٢ سورة آل عمران، الآية: ١٠٣.

<<  <   >  >>