للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل السابع: الإنسانية والمغريات]

كل المذاهب الباطلة إنما تقوم على الدعايات البراقة والمغريات المختلفة, ومن ذلك القول بأن العالم خصوصًا في هذا العصر قد وصلوا في التقدُّم إلى طور بعيد جدًّا, وصناعات مذهلة, وأن الناس بإمكانهم أن يعيشوا في حرية مطلقة وسعادة لا تحدها حدود ولا تقف دونها عوائق, خصوصًا إذا التزموا بمذهب الإنسانية, ولكن أليس بالإمكان أن يقول الناس لهم: إنه بالرغم مما تزعمونه من التقدم والتطور فإنه لا زال -ولن يزال- التأخر والظلم والقهر جاثمًا على صدور الناس. مما يدل على أن دعوة الإنسانية إلى التآلف والمحبة بدون دين دعوى ساذجة لا يمكن أن تتحقق في الواقع, بل الذي تحقق إنما هو انتشار الرذائل والفواحش من أوسع الأبواب، بل لقد انصرف الناس عن ما تدعوا إليه الإنسانية من أحلام سعيدة بعد أن عرفوا ضحالة أفكارها, ولكنهم انصرفوا أيضًا إلى سوء آخر وهو التزاحم على جمع الأموال واقتطاع الأراضي, وإلى انتشار الأخلاق الرذيلة بكلِّ وسائل الإغراء التي يزخر بها هذا العصر. حيث صارت الرذائل تباع بأرخص الأسعار, فإنه بعد انصرافهم عن الدين لا يمكن أن تتحقق الألفة والاجتماع على عقيدة الإنسانية الخيالية, ولا على غيرها, اللهم إلّا على الانكباب على الآلات الصناعية الحديثة, والاستغناء بها عن النظر إلى الآخرين والاهتمام بهم، ومن هنا تدرك يقينًا ان كل الدعوات الجاهلية لا بُدَّ أن تفلس.

<<  <   >  >>