أساس ظهور القومية في شكل مذهب جماعي وله دعاته المتحمسون له, كان من البلد المضياف لكثير من الآراء والمذاهب المختلفة -أوروبا- كما عرفت, وكان سبب ظهورها هو نفس الأسباب التي أظهرت بقية المذاهب الفكرية فيها, متوخّية الرغبة الشيديدة في هدم سلطة الكنيسة الطاغية التي سامتهم سوء العذاب -كما تقدَّم, إضافة إلى ما كان يعيشه الأوربيون من شريعة الغاب والظلم والعدوان وسوء الأخلاق في معاملة بعضهم بعضًا, وعدم وجود الدين الصحيح الذي ينير لهم الحياة، فكان ظهور القومية هناك مظهرًا مشاركًا لبقية مظاهر الخروج والانفلات عن سلطة الكنيسة وقبضة رجالها, وكانت القومية هي إحدى معاول الهدم التي تكاثرت على الكنيسة بعد أن بدأت الكنيسة تترنَّح للسقوط النهائي إثر إفاقة الشعوب الغربية الأوربية على واقعهم الشنيع من الذل والخوف والتنكيل والقتل الجماعي والجهل المركَّب والأحكام الجائرة على أيدي فئة تزعم أنها تمثل الرغبة الإلهية في كل ما تأتي وتذر, فظهرت القومية كغيرها من الأفكار الأخرى وقفت من الدين وأهله نفس المواقف للنظريات الإلحادية الأخرى, ويظهر أنه لم يكن لديهم أيّ جامع أو رابط يقدّمونه لشعوبهم غير هذا الرابط الجديد الذي داروا حوله بكل جد, وقدسوه إلى أن أوصلوه قريب الأولهية؛ علَّهم يجدون فيه عزاءً عن الالتجاء إلى الإله الذي كان هو السبب