للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في إذلالهم على أيدي رجال الكنيسة الذين كانوا يمثلونه في الأرض كما قرره زعماء الكنيسة الرهبان لهم؛ لتحقيق شهواتهم وافتراءً على الله تعالى، وعلى هذا فإن ظهور القومية في أوروبا وعامة دول العالم المسيحي إنما كان لتلك الأسباب الظاهرة وغيرها, وكان لهم ما يبرر ذلك الخروج فيما ظهر من أحوالهم -وإن لم يكن مبررًا حقيقيًّا- وبعد خروجهم, ذلك الهوى كل ما راق لهم منها القومية التي قدسوها وزينوا أمرها لكل الشعوب؛ لتكون العزاء والبديل عن الدين النصراني ورجاله, يقول الندوي:

"ولا يزال القوميون في داخل البلاد وخارجها يزينون للشعوب الصغيرة القومية ويطرون أدبها ولسانها وثقافتها وتهذيبها, ويمجدون لها تاريخها حتى تصبح نشوانه بالعواطف القومية والخيلاء والكبرياء وتدل بنفسها, وتظن أنها مانعتها حصونها, وما أعدت للحرب, وتنقطع عن العالم وتتحرّش أحيانًا بالدول الكبيرة غرورًا بنفسها, أو تهجم عليها الدول فلا تلبث إلّا عشية أو ضحاها, وتذهب ضحية لقوميتها وانحصارها في دائرة ضيقة, ولا يغني أولئك المسئولون عنها شيئًَا {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} ١.


١ سورة الحشر، الآية: ١٦.
وما أصدق ما ذكره الندوي, وما أشدّ انطباقه على كثير من السوقة الذين تبوؤا الحكم في البلدان الإسلامية, وما حوادث العراق الدامية إلّا نموذج للتدليل على مصير أولئك الذين تركوا هدى الله وطلبوه في غيره, ولم يقبلوا على الله وركنوا إلى الذين ظلموا, وأسلموا شعوبهم للذل والهوان وخذلوهم في أحلك المواقف.

<<  <   >  >>