الفصل الثالث: نشأة العلمانية وموقف دعاتها من الدين, وبيان الأدوار التي مرَّت بها
لقد قامت العلمانية اللادينية على الإلحاد وإنكار وجود الله تعالى وإنكار الأديان، وهي رِدَّة في حق من يعتنقها من المسلمين مهما كان تعليله لها، وكانت العلمانية عند قيامها في مرحلتها الأولى في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين, تنظر إلى الدين على أنه ينبغي أن يكون أمرًا شخصيًّا لا شأن للدولة به, إلّا ما يتعلق بحباية الضرائب للكنيسة، ولعلَّ هذا كان خداعًا لأهل الدين, ثم اشتدت المواجهة للدين على النحو الذي تطوَّرت إليه بعد ذلك، وكان الخلاف محتدمًا ما بين رجال الدين ورجال العلمانية على السلطة، مما جعلهم ينادون بفصل الدين عن الدولة ليستقلَّ كل فريق بسلطته.
حتى إذا جاء القرن التاسع عشر، وهي المرحلة الثالثة؛ إذ بالعلمانيين يتجهون اتجاهًا منافيًا لكل مظاهر الدين والتدين، وأحلَّوا الجانب المادّي محل الدين، وبدأ الصراع يشتد بين العلمانيين اليساريين الناشئين وبين رجال الدين الكنسي المتقهقر، إلى أن أُقْصِيَ الدين تمامًا، ولم يعد للإيمان بالغيب أيّ مكانة في النفوس؛ إذ حلَّ محله الإيمان بالمادي المجرد المحسوس١.