كانت العلمانية في بداية ظهورها تهدف إلى تحقيق غرض هو من أهم الأغراض التي أشغلت أذهان القائمين عليها، ألَا وهو فصل الدين عن السياسة والحكم, على طريقة ما ينسبه الكتاب المقدَّس إلى نبي الله عيسى -عليه السلام:"أعط ما لله لله, وما لقيصر لقيصر", وبغضِّ النظر عن صحة هذه المقولة عن عيسى -عليه السلام, فإن العلمانيين وهم في محاولتهم الأولى لتصديع الدين المسيحي وجدوا أن هذا النص من الأمور المساعدة لهم، وقد جدُّوا وناضلوا حتى تَمَّ لهم ما يهدفون إليه من فصل الدين عن الدولة، وبالأحرى عزل رجال الكنيسة عن الدولة، ولم يعد دينهم صالحًا للحكم بين الناس في شئون حياتهم، بل تولَّاه التشريع الجديد المسمَّى العلمانية في قوانينها الوضعية.
ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تعدَّاه إلى طوار آخر, وهو عدم السماح بالدين في كل مظاهر الحياة, ولم تعد مقولة:"أعط ما لله لله, وما لقيصر لقيصر" قائمة في أذهان زعماء العلمانية الجامحة، فحُورِبَ الدين حربًا شعواء, تحت الكراهية الشديدة لطغاة الكنيسة الذين يمثلونه -حسب مفهوم أقطاب العلمانية, هذا ما حصل في العالم النصراني