نشأت هذه الفكرة في أوروبا كغيرها من الأفكار الأخرى الكثيرة في ردِّ فعل عارم تجاه أوضاعهم التعيسة التي كانت تقسِّم الناس إلى فريقين؛ فريق هم السادة والقادة وأصحاب الامتياز, وفريق آخر هم العمّال العبيد الذين يساقون كما تساق البهائم, لا قيمة لهم, ولا يجمع بين قلوبهم وقلوب الطبقة الأولى غير الأحقاد والكراهية, والرغبة في التمرُّد بأي ثمن يكون للخلاص من قبضة رجال الدين ورجال الدولة على حدٍّ سواء, بعد أن التقت مصالح رجال الدين ورجال الحكومة على استعباد الناس وتسخيرهم لخدمتهم, وحين وصلت الأمور إلى هذا الحد كان اختراع المبررات للخروج على ذلك الوضع هو التفكير الجادِّ, فاخترعت الدعوة إلى القومية, ثم إلى الوطنية, ثم إلى الأفكار الأخرى كالحرية والمساواة وحقوق الإنسان ... إلى آخره.
وكان إلى جانب هؤلاء المتربِّصون بالكنيسة ورجالها, وبالحكام الذين يظلمون الناس باسم المسيح, كان إلى جانبهم اليهود الذين كانوا محلّ بغض الاضطهاد الديني النصراني حينما كانت النصرانية قوة متنمرة لكل المخالفين لها.
فكان الأمر يقتضي أن يقف اليهود إلى جانب أولئك بكل ما يستطعيون؛ علَّها تظهر من وراء تلك الفتن فوائد لليهود, وهم يعرفون كيف يستغلون الأوضاع لصالحهم بعد تأجيج الفتن.