وحينما قرر الملاحدة أن الإنسان مادةً أصبح مفهوم القيم من الأمور التي لا قيمة لها؛ إذ المادة لا تتصف بأي قيمة روحية أو نفسية أو خلقية, وهذا هو الواقع الذي قرروه, وأن القيم كلها ليس لها صفة ثابتة وإنما هي انعكاس للأحوال الاقتصادية, فلا حقيقة لها إطلاقًا, إلّا أنه لم يكن بإمكان الملاحدة أن يتجاهلوا وجود هذه القيمة التي يتمثَّلها الناس قديمًا وحديثًا في حياتهم, وفي تعاملهم في أمور ظاهرة, فاخترع الملاحدة لها تفسيرًا يشوهها ويهوّن من مكانتها المرموقة، بل ويقضي عليها في النهاية قضاء تامًّا.
وهذا التفسير المادّي للقيم يتمثَّل في الأمور الآتية:
١- تضخيم العامل المادي والاقتصادي وجعله أساس كل شيء في حياة الإنسان, وجعلوا الأخلاق والقيم كلها تابعة لحالة الإنسان الاقتصادية وتبادله المنافع مع الآخرين, وأن الوضع الاقتصادي هو الذي يحدد مشاعر الناس وأفكارهم وعقائدهم وكل قيمهم.
٢- زعموا أن كل القيم لا ثبات لها, أي: لم تنشأ عن دين أو توجيه إليه, وإنما هي تابعة لتطور الإنسان في المادة هبوطًا وارتفاعًا، خيرًا وشرًّا، وأن كل القيم المعنية إنما هي انعكاس للوضع الاقتصادي لكل أمة.