وكان هذا التطور والتجديد شاملًا لكل ما يَمُتُّ إلى الدين بصلة, حتى وإن كانت اللغة العربية، فضلًا عن الحكم الشرعيّ، والتي واجهت هجمات شرسة من دعاة العلمانية الذين تفنَّنوا في الاستهزاء بها, وأنَّها قديمة وعقيمة لا تساير الحضارة الجديدة.
وأنَّه على العربيّ الناضج أن يترك الفصحى ويتجه إلى لغته العامية ولهجته المحلية, ففيها ما يغنيه عن اللغة العربية المعقَّدة بزعمهم، وعليه كذلك أن ينسى تمامًا أنها اللغة التي أُنْزِل الله بها القرآن الكريم الذي أجمع المستعمرون كلهم على أنَّه لا بقاء للاستعمار في بلاد المسلمين ما دام القرآن موجودًا في صدورهم وبأيديهم.
ولم يكن الهدف من الدعوة إلى القضاء على اللغة العربية هو المقصود لذاته، بل كان يُرَاد من وراء ذلك النفوذ إلى ما يوصِّلهم إلى غرضهم الحقيقي, وهو أن يكون المسلم عالةً في كل شيء على الحضارة الغربية, سواء كان ذلك في اللغة أو في غيرها، وأن يبتعد عن العربية ويهجرها، فضلًا عن هجر الأحكام الشرعية.
ولقد اهتمَّ المنصِّرون ومن وراءهم حكوماتهم التي تتطلَّع إلى استعمار بلدان العالم الإسلامي، اهتمَّ هؤلاء بفتح دور التعليم على اختلاف المستويات, وركَّزوا فيها على أن تفي المناهج المقررة فيها بإخفات أصوات المدارس الإسلامية الأهلية، وأن تفي بإقامة صرح العلمانية اللادينية، وأن يكون التعليم فيها مشاعًا لكلِّ شخص, بغضِّ النظر عن دينه واتجاهاته -وكان هذا في أول الأمر, وأن يكون التعليم مختلطًا ذكورًا وإناثًا، وذلك بعد نجاحهم في حرب العفة والحجاب، وأن يشتمل على دراسة الفنون الجميلة -كما يطلقون عليها, وهي التمثيل والموسيقى والتصوير, وغيرها من العلوم التي تساعد على إفساد الأخلاق، إضافةً إلى دراسة جميع النظريات الإلحادية التي نبتت في أوربا في صراعها مع الدين.