الفصل الرابع: الردّ على من زعم أنه لا منافاة بين العلمانية وبين الدين
ما أكثر المغالطات التي توجَّه إلى خلط المفاهيم, إما على جهل بالحقائق, وإما عن معرفة وطوية مبيتة شريرة.
ومن العجيب حقًّا أن يتبجَّح منشئوا العلمانية بأنها حرب على الأديان, وتذويب للمجتمعات في بوتقة اللادينية, ثم يأتي بعد ذلك من يحاول تغطية هذا المفهوم الواضح فيدَّعي التوافق بينهما, بحجَّة أن العلمانية والدين يجتمعان في الحثِّ على نبذ التأخّر -حسب مفهومهم, وعلى الحثِّ على العلم والاكتشافات والتجارب، والدعوة إلى الحرية، أو أن العلمانية تخدم جوانب إنسانية, بينما الدين يخدم جوانب إلهية ... إلخ.
ترهاتهم، ولنا أن نقول للمغالطين: إن العلمانية لم تظهر في الأساس إلّا بسبب الخلافات الشديدة بين دينهم وبين علمانيتهم، وإلّا فما الذي أذكى الخصومة بين الدين والعلمانية عندهم؟
نعم, إن الدين الصحيح يدعو إلى نبذ التأخُّر والأخذ بالعلم ومعرفة الاكتشافات والبحث والتجارب, ويدعو إلى الحرية، لكنه لا يجعل تلك الأمور بديلًا عن الخضوع للتعاليم الربانية, أو الاستغناء عنها وإحلال المخترعات محل الإله -عز وجل، بل يحكم على كل من يعتقد ذلك بالإلحاد ومحاربة الدين علنًا، وهو ما سلكته العلمانية بالنسبة لنبذها للدين.