[الفصل الثاني عشر: نقض الأسس التي قامت عليها القومية]
لم يكن لدعاة القومية أسس خاصة في الدعوة إليها, وأنَّى يجدون ذلك وهم مختلفون فيما بينهم اختلافًا كثيرًا, فلم يجدوا غير آراء تصوروها لبناء القومية, ثم اختلفوا أيضًا فيها -شأن الباطل دائمًا, وقد عرفت فيما سبق أن من القوميين من ذهب إلى أن أساس القومية هو الاتحاد في اللغة, ومنهم من قال: الاتفاق في التاريخ, ومنهم من جعلها الأرض, ومنهم من قال: هي المصلحة المشتركة بين أفراد الأمة، ولعل سبب اختلافهم يعود إلى أنَّ هذه الآراء لا تركن إليها النفس تمامًا ولا تصل إلى حدِّ القناعة التامَّة, فلهذا كل أدلى بدلوه أو رمى بحجره علَّه يصيب.
أ- أما اللغة:
فالقول بأنها رباط قومي كذب ينقضه واقع حياة الناس, فقد وقع أنَّ أممًا كثيرة تتكلَّم لغة واحدة ولكن بينهم من التفاوت بل والعداوة ما لا يخفى, وأقرب مثال على ذلك العرب أنفهسم, فهم يتكلمون لغة واحدة, ولكن كم الفرق بين العربي اليهودي, والعربي النصراني, والعربي المسلم, والعربي المشرك؟ بل وأين المسلم من غير العرب ومن غيره أيضًا ممن يتكلّم بلغته؟ ولماذا لم تتحد أمريكا وبرطانيا في قومية واحدة ما دامت اللغة الإنجليزية تجمعهم؟