لا يعرف على وجه الدقة تحديد نشأة الحركات والأفكار في الغالب, أما بالنسبة للقومية فإن الباحثين يذكرون أن ظهورها في أوروبا كان في الفترة التي كان رجال الفكر والتحرر -كما يسمون أنفسهم- يبحثون عن بديل للعقيدة النصرانية الخرافية الجائرة, والانفلات من قبضة رجال ذلك الدين الجامد المتخلف, وكان ذلك في حدود القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين, واشتدَّ عودها في القرن التاسع عشر الميلادي، وقد أثنى دعاة القومية على الثورة الفرنسية التي كانت هي البداية الأولى لظهور القوميات؛ حيث عرف بعدها أنَّ الحكم يجب أن يكون للشعوب وليس لفئة من الناس وهم الحكام, وأن الحرية يجب أن تشمل جميع الأمة بالتساوي, وشعار الجميع الإخاء, وأصبح هذا المبدأ الثلاثي: الحرية، المساواة، والإخاء, هو مصدر إلهام الجماهير في زعم دعاة القومية, وقد زعموا أن القومية العربية إنما أثارها التوجُّه الأوربي للقومية؛ حيث نشأ دعاة القومية العربية متأثرين بذلك التيار في أوروبا, فأصحبوا يلهثون للحاق بركبهم. والواقع أن الذي أثار القومية العربية وكان لهم اليد الطولى في الدعوة إليها في بلاد المسلمين إنما هم النصارى العرب؛ لإدراكهم فائدة التفاف العرب المسلمين على القومية بدلًا من الدين الذي لا يتوافق مع دمج المسلم وغير المسلم في حظيرة واحدة, فجاء القوميون العرب من