ذلك أن القومية هي التعصُّب للقوم, ويدخل فيها التعصُّب للوطن. والوطنية هي التعصب لتلك الأرض, ويدخل فيها التعصب للساكنين عليها أيضًا. ومن هنا نجد أن القومية والوطنية يمدّ بعضها بعضًا لتكونا معًا رفادًا من روافد الجاهلية, والنفرة عن الدين, والالتقاء على حب الوطن، بغضِّ النظر عن اختلاف ديانة الموجودين عليها، فالوطنية أمّ الجميع؛ لأن الوطنية توجب أن يتعايش المسلم والنصراني واليهودي والمجوسي وغيرهم على حدٍّ سواء، والقارئ الكريم يجد عبارات القوميين تتضح تقديسًا وتكريمًا للوطن كما قال شاعرهم:
بلادي هواها في لسان وفي دمي ... يمجِّدها قلبي ويدعو لها فم
وقوله:
بلادك قدسها على كل ملة ... ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
وقول الآخر:
بلادي وإن جارت عليَّ عزيرة ... وألهي وأن ضنَّوا علي كرام
وكأنه لم يسمع قول ابن الورد:
حبك الأوطان عجز ظاهر ... فاغترب تلق عن الأهل بدل
وهذه الوطنية هي في حقيقتها دعوة لتجزئة أوطان المسلمين, وانطواء كل جزء على نفسه وعدم الاهتمام بغيره من أوطان المسلمين الأخرى.