للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو الوطنيون, فإن تصوراتهم هي عودة إلى الجاهلية، وتعصب مذموم, فإن التعصُّب حولهما لا ينتج مجتمعًا صحيحًا متماسكًا متحابًّا, بل ينتج أمة قابلة للتمزق والأحقاد والتعالي بالباطل, والواقع أقوى شاهد, فما أن تنشب حرب أهلية إلّا وتناسى الناس فيها كل الروابط الجاهلية من قومية ووطنية وإنسانية وغيرها, وراحوا لا يرقب أحدهم في الآخر إلًّا ولا ذمَّة؛ لأن هذه الروابط ليس وراءها ما يرغب فيها من جزيل الثواب عند الله تعالى, ولا خوف منه -عز وجل- في يوم الحساب, بل فيها ما يثير الأحقاد والتعصبات القبلية, واغتنام المصالح ولو على حساب الغير "إذ مت ظمآنًا فلا نزل القطر"١.

وهذه الدعوة الحمقاء لجمع العالم كلهم على فكرة واحدة من وضع البشر, قد جربها كثير من الناس آخرهم البهائية, ولكنهم كلهم باءوا بالفشل الذريع, وظهرت حماقاتهم واضحة للعيان, ولم يستطيعوا هم أنفسهم تطبيق هذه الدعوة الفارغة؛ لأنها غير قابلة للتطبيق العملي, فإن أمامها عوائق لا يمكن تخطِّيها بمثل تلك الأفكار البرَّاقة الضحلة, فهي لم تطبق على حقيقتها لا في أوربا ولا في أمريكا ولا في بلدان العالم الإسلامي ولا في غيرها, ولهذا نجد أن الله لم يأمر الناس أن يتكلموا لغة واحدة, ولا أن يتنكروا لشعوبهم وقبائلهم.


١ شطر بيت من قصيدة لأبي فراس الحمداني وأوله:
معللتي بالوصل والموت دونه ... إذا مت ظمآنًا فلا نزل القطر
انظر كتاب "كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة" ص٢٧٦.

<<  <   >  >>