والواقع أنه حينما أقصى العلمانيون الدين عن أي مجال من مجالات الحياة الاقتصادية, على أساس أنه لا يحقق الخير لأتباعه ولا يرفع الظلم عنهم، لم يأتوا هم أيضًا ببديل يرفع ذلك الكابوس، بل تخبَّطوا في حلقات مفرغة, وعاشوا أوضاعًا غاية في الفساد, لم يكن الرابح فيها غير المرابين والمحتكرين وتجار الرقيق وأصحاب الشَّرَه المادي, الذين لا يبالون بأحد, ولا توجد فيهم أدنى عاطفة على الفقراء والضعفاء الذين لم يصلوا إلى معرفة حذق المرابين وعباد المال, أو لم يكن لهم من المال ما يوصلهم إلى تلك المسالك الثعلبية.
وعاش عامَّة الناس في تعاسةٍ رغم تزاحم النظريات الاقتصادية -سنّة الله في الخارجين عن شرعه- ولم تنقذهم من تلك الحال لا الرأسمالية بنظامها الشَّرِه, الذي أطلق للناس الحبل على الغارب على طريقة "من عَزَّ بَزَّ, ومن غَلَبَ استَلَبَ", ولا الشيوعية الماركسية التي كبَّلت الناس وجعلتهم عبيدًا يكدحون للدولة في مقابل مما تعطيهم لسد حاجة الجوع، ولا العلمانية التي لا يلوي فيها أحد على أحد.
مع أنهم ملئوا الدنيا صراخًا وعويلًا على العمل لإخراج الفقراء من فقرهم, وإيجاد اقتصاد حرِّ مزدهر يوازي الجنة التي وَعَدَ بها الرسل أتباعهم بزعمهم، ورغَّبوا الناس في عبادة الإله الجديد في الإلحاد، وهو المادة ورءوس الأموال، ولكن اتضح لكك ذي عينين أن المناداة شيء, والواقع شيء آخر.