كذلك لم تستطع الديمقراطية أن توجد نظامًا اقتصاديًّا يتكافل فيه جميع أفراد الشعب, فلا يبقى فيه حاسد أو محسود، وأن توجد عدلًا وإحسانًا لذاتهما لا لأجل المنافع كما في الديمقراطية الغربية, ولا أن توجد نظامًا يكفل للأخلاق بقاءها, وللطهارة رونقها, وللنفوس سعادتها الاقتصادية والنفسية.
كما أنَّ الشعب وهو الذي أوجد الديمقراطية في الظاهر, وألقى نظام الإقطاع والسيادة الإلهية التي مثَّلها البابوات, إلّا أنه من جانب آخر إنما تَمَّ له ما يشبه عملية الاستبدال فقط, فقد أصبحت الشعوب تحكم بإقطاعيين جُدُد, ليسوا هم طبقة الإقطاعيين ولا البابوات الذين كانوا في العصر السابق, وإنما جماعة أصحاب الثراء يمثِّلون الشعب في مجالسهم, لم يختلف أكثرهم عن الإقطاعيين والبابوات إلّا في التسمية الجديدة المغرية, أمَّا في السيطرة وفي حفظ مصالحهم الاقتصادية وثراءهم المتنامي دائمًا -هم حماة الشعب وحماة حريته واقتصاده، ولهذا فلا يجوز أن تتطرَّق إليهم الشبهة؛ لأن زمن الإقطاعيين والبابوات قد ولَّى وجاء حكم الشعب نفسه بنفسه بواسطة هؤلاء الجدد المنتخبين بكل نزاهة وحرية, الساهرين على مصالحه دائمًا؟!
ومن خدع الرأسمالية وأصحاب الجاه والسلطة في السيطرة على الشعوب باسم الديمقراطية وباسم الحرية التي منحتها لهم الديمقراطية في ظاهر الأمر, أنهم يوحون إلى شعوبهم أن الشعوب هم الذين يختارون ما يريدون, ويتركون ما يريدون, ويصوتوا لمن يريدون, ويسقطون من يريدون, دون أن تدخل من السلطة العليا التي بيدها الحكم النهائي.