تلقائيًّا, بل انتزعت الشعوب من الإقطاعيين والوجهاء البابوات انتزاعًا, حتَّى أصبح في أوربا أمرًا مألوفًا أن يوجّه الشخص الانتقاد للمسئولين علنًا بلسانه أو بقلمه, عن طريقه هو أو عن طريق الصحافة, ولقد تَمَّ ذلك إثر صراع مرير وصبر طويل جعل الحكومات في أوربا ترضخ للأمر الواقع نتيجة للظلم الذي وقع على الطبقات الفقيرة في سالف عصورهم {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ١.
وهكذا فقد وصل الفقراء والعمال المتدنية أجورهم بسبب مطالبتهم المستمرة وتصديهم بكل بسالة لما من شأنه تحسين أوضاعهم, والشغب المتواصل للنظر في أمورهم, لا أنَّ مذهب الديمقراطية هو الذي أوجد هذا الحال, ولم تقم المديمقراطية بدافع الرحمة أو بقيام منهج أو دراسة, وإنما قامت إثر صراعات متواصلة بين أفراد الشعوب وبين أصحاب الجاه والأثرياء والسلطات, وعلى الذين يتصورونها وكأنها وحي أن يعلموا ذلك؛ إذ لا رحمة من داخل القلب في النظم البشرية الوضعية, وربما يصدق عليهم قول الشاعر:
وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا