القومية والوطنية ثم البعثية, وصاروا يرددون كالببغاوات كلَّ ما يسمعونه من مختلف الشعارات البراقة, وكان أول بلد نجم عن قرن القومية لبنان وسوريا بزعامة نصارى هذين البلدين -عيون الغرب الصليبي في بلاد المسلمين, ومنهما انتشرت الدعوة إلى القومية والوطنية بتاثير الدعايات والدراسات في الغرب وشراء الضمائر, وما إلى ذلك من الوسائل الكثيرة التي استخدمت لإيصال هذه الأفكار وإخراجها كأمر واقع لا بُدَّ منه لإيجاد الأمجاد العربية.
ولقد كان الليهود نصيب الأسد في إيحاء القومية الطورانية لحقدهم الشديد على الدولة العثمانية التي أبت أن تمنحهم موضع قدم يمتلكونه في فلسطين وغيرها من بلدان المسلمين, فكان من الطبيعي أن يستغلَّ اليهود تلك النعرة الجاهلية ليحقِّقوا من ورائها أهدافهم في الإطاحة بالخلافة الإسلامية ممثَّلة في السلطان عبد الحميد -رحمه الله, الذي قال:"لن أبيع ولو قدمًا واحدًا من البلاد, وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منها, وليحتفظ اليهود ببلايينهم"١.
ومنها هنا قرر اليهود إنشاء جمعية "الاتحاد والترقي", والحقيقة أنها عكس هذا الاسم تمامًا, وكل أعضائها فيما يذكر الباحثون أنهم غير أتراك وغير مسلمين حقيقة, وكانت المساعدات المالية تأتيهم كلها من الدول الغربية النصرانية ومن يهود الدونمة.
١ نشوء القومية العربية, تأليف زين نور الدين زين نقلًا عن الاتجاهات الفكرية المعاصرة ص١٢٦.