وإذا كان الأوروبيون قد نادوا بفصل الدين عن الدولة؛ للأسباب التي اضطرتهم إلى ذلك, فإن الإسلام ليس فيه أيّ نزاع أو صراع بين الحكام والمحكومين؛ لأنه ليس فيه طبقات, كل طبقة تمثّل جانبًا في الحياة العامة, بل إنه يعتبر المسلمين كلهم على درجة متساوية في المعاملات والقيام بالتكاليف الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وكلهم يجب عليهم الخضوع لشرع الله تعالى دون أن تستبدّ فئة بأخرى, والحكام في الإسلام ليسوا في طبقة خاصّة, بل هم مثل سائر أفراد المسلمين لم تكن له مزية إلّا تحمُّل الأمانة وتنفيذ شرع الله تعالى, وأوجب لهم الإسلام السمع والطاعة في مقابل هذا العمل, فأين هذا السلوك الذي تحقَّق به سعادة الناس من سلوك الجاهليات الأوروبية وشرائعها القومية, وإذا كان بعض المسلمين حكامًا ومحكومين قد خالفوا هذا النهج الواضح, فإن تبعه هذا الخلاف عليهم لا على الإسلام؛ إذ الإسلام قد تبرأ من كل الجاهليات الوضعية وأبان حكمه في كل أمر, فلا يجوز أن يحمل تبعة أي أمر لم يكن من تعاليمه.