إلى تاريخ المسملين الأوائل, فإن صاحبه يشعر بالحزن والأسى؛ لأن ماضي المسلمين كان هو النور المشرق، وكان العلم وأهله وكتبه كلها عند المسلمين وفي جامعاتهم، في الوقت الذي كانت فيه أوربا في حمئة الجهل، فانقلب الحال رأسًا على عقب حينما زهد كثير من المسلمين عن تعاليم دينهم, ورغبوا في الحضارة الغربية وزخرفها، فأصبح بعض لمسلمين ينظر إلى العلوم الغربية بنفس الإكبار الذي كان ينظر به الغرب إلى العلوم الإسلامية.
ومن الأسباب أيضًا: استغلال العلمانيون قيام النعرات الجاهلية؛ من قومية ووطنية, ودعوى نبذ التخلّف، وما إلى ذلك، وقد استجاب لهم الكثير، البعض بحسن نية، والأكثرون بخبث نية وتخطيط بارع للكيد للإسلام والمسلمين.
وصار حال المسلمين على حد ما قاله أحد الشعراء:
يقضي على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن
وما إن سرت نخوة الجاهلية في عروق القوميين والوطنيين والتقدُّميين, إلّا وسرى معها التعالي والرجوع إلى الأمجاد الجاهلية المزعومة التي كانت العلمانية تصفق لها, وتصف أهلها بشتَّى نعوت المدائح والعبقريات الفذة.
كما أن أولئك الثائرون قد أتوا على الأخضر واليابس, ورأوا أن بناء مجدهم يتطلَّب إقصاء تعاليم الدين والسير خلف ركب الحضارة الأوربية الذي تولَّد من قيام العلمانية الجديدة, والسير في طرقاتها حذو القذَّة بالقذَّة.