للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} ١.

وكان يجب أن يسمهيم الناس مجانين حينما زعموا أن الكون وُجِدَ بدون مُوجِد, وحدث بعد أن لم يكن حادثًا ودون محدث له غير, ما توهموه من تجمُّع ذرات هذا الكون وتطورها إلى أن أحدثت هذا العالم والكون وما فيه من أجرام علوية وسفلية, وكلها عن طريق الصدفة والارتقاء, ولو قلت لأحدهم: إن عمودًا كهربائيًّا وُجِدَ بداته وأصبح ينير للناس الطريق لضحكوا من قائله, ونسبوه إلى الجنون, بينما هذه الشمس وهذا القمر وهذه الكواكب وهذه الثمار في الأرض والأنهار والجبال كلها وجدت بدون خالق!

إن الملاحدة يعترفون بعجزهم التام عن معرفة سر وجود الحياة لأيّ كائن مهما كان صغر حجمه أو كبره, وأنهم لا يستطيعون إرجاع الروح لصاحبها إذا بلغت الحلقوم, فأين المادة التي يتشدقون بأنها هي الموجدة لهذا الكون؟ ولماذا لا يتوسلون إليها لإرجاع الروح بعد أن يصبح الجسد مادة هامدة؟

أما ما يرددونه من أن كل الأشياء تحوي تناقضات داخلية مجتمعة في وحدة يسمونها وحدة الأضداد أو وحدة المتناقضات تتصارع فيما بينها, ثم ينتج عن ذلك الصراع تطور في صعود دائم لا ينتهي, فهو افتراض سخيف؛ إذ لا يوجد إلّا في الذهن, والذهن قد يتصور أن المستحيلات ممكنة أحيانًا, ذلك أن اجتماع النقيضين أمر غير ممكن إلّا إذا صدَّقنا بأن الحرارة والبرودة تجتمع في النار, أو الحياة والموت يجتمع في الشخص في وقت واحد, وليس من هذا ارتفاع الضدين في وقت واحد, فإنه ممكن كقول الناس: هذا لا هو أبيض


١ سورة الطور، الآية: ٣٥.

<<  <   >  >>