للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان يحصل هذا في المجتمع المتحرر عن الملكية الفردية, فلا يرد عليه -في مفاهيم- المجتمع الزراعي وتعاون أهله فيما بينهم للضرورة إلى هذا الترابط الأسري؛ لأن ترابط الأسرة في المجتمع الزراعي أمر بدهي يتطلبه الرغبة في إتقان العمل وزيادة الإنتاج الذي يحتاج بدوره إلى تكاتف الأيدي العاملة, فهذا يحرث, وذاك يحصد, وهذا يقوم بعملية الري, وذلك بتحسين المزروعات, وآخر بتخزينها, وهكذا تفرض عليهم هذه الحالة تكاتفًا أسريًّا قويًّا, ولكن حينما جاء المجتمع الصناعي تفكَّك أمر الأسرة, وذلك لعدم الحاجة إلى ذلك التكاتف الذي نشأ في العهد الزراعي.

فإن العمل في الصناعة يقوم على الفردية واستقلال كل شخص بعمله, دون اشتراط وجود آخرين إلى جانبه, فعمله خاص به وهو مسئول عنه وحده, ويأخذ أجره على العمل وحده كذلك، وهذا يشمل أيضًا المرأة حينما تعمل.

وبالتالي فالمجتمع هنا يصبح كل فرد فيه حرّ ليس له علاقة بغيره, إن أراد الرجل بقاء صداقته مع زوجته فله ذلك, وإن أراد تركها فله بكل يسر, والمرأة كذلك لها أن تقطع علاقتها الزوجية في أي وقت شاءت, فعملها ووظيفتها وما تملكه من المال يجعلها لا تكترث بأي علاقة دائمة مع أي شخص, سواء أكان الزوج أو الأولاد أو الأقارب أو الأجانب عنها, وبالتالي فالعلاقات الجنسية الحرة هي السمة البارزة لهذا المجتمع الصناعي -أي: الإباحية والفجور, وهذه هي النتيجة التي يعيشها العالم المادي الملحد, حالة من التفكك الأسري والإباحية والتمرد على كل شيء، مجتمع نزعت منه الرحمة وصلة ذوي القربى والعاطفة نحو الآخرين والعفة والحياء, ولهذا

<<  <   >  >>