للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التاريخ, وأما حينما نشأ التطور الاقتصادي على نحوٍ أقوى بداية بعهد الرق والإقطاع والكنيسة, فقد استغلَّ هؤلاء الوجهاء هذا الجانب الإلهي لتخدير الكادحين حتى لا يشعروا بالظلم الواقع عليهم؛ وأن عليهم الرضوخ إذا أرادوا نعيم الجنة في مقابل عذاب الدنيا بطاعة أولئك, ولهذا باركت الكنيسة الرق وأوصت الكنيسة الأرقاء بطاعة أسيادهم, وهددتهم بالنار الأبدية إن لم يمتثلوا، وكان لهذه التعليمات أثر جيد في إنفاذ الحياة الزراعية الضرورية لحياة المجتمع, وفي حفظ المجتمع من الفقر ومن اندلاع نار الثورات, وفي الوقت الذي اشتد فيه كابوس الإقطاع في أوروبا قويت في المقابل السلطة الدينية للكنيسة، وليس فقط السلطة الدينية، بل والفلسفة والأدب والفنون على نفس النهج الذي يريده الإقطاعيون، ولم تكن الكنيسة وحدها في هذه القوة, بل ساندتها قوة السلطة التي كانت هي الأخرى سيدة الإقطاع وحاميته, والمستفيد الحقيقي من تخدير الشعوب بالدين، ولهذا وقف الحكام ورجال الكنيسة ضد كل من تسوّل له نفسه الخروج عن قبضتهم بوصفه بالإسم الذي يبيحون به دمه, وهو إطلاق "الهرطقة" عليه.

وما اشتعال الحروب التي خاضها البشر باسم الدين إلّا صراعًا طبقيًّا في حقيقته, نجم عن الحالات الاقتصادية فحسب، وحينما ظهرت الرأسمالية ضعف أمر الدين لتطور الاقتصاد وانتعاشه, ولكن البرجوازية أحسَّت بأنَّ نبذها للدين خطر عليها, فعادت إلى احتضانه وتستخيره لمصالحها, وهذا هو السبب في تعلُّق البرجوازية بالدين؛ لكي تظل على قوتها الرأسمالية.

<<  <   >  >>