الكنيسة تحت أيّ تيار يسوقهم, علَّهم يجدون متنفسًا من أوضاعهم المخزية تحت سلطة الإقطاع والنبلاء والأشراف من البابوات, وكبار الملاك الظالمون لجميع طبقات الشعوب. ونجم عن كثرة الشغط الانفجار الذي تمثَّل في الثورة الفرنسية؛ حيث أخذ زعماؤها في التفتيش عن مصدر يحلّ محل ذلك الحكم البغيض, ولم يكن أيام حكم المدينة غائبًا عن أذهانهم, خصوصًا وقد اتَّصل كثير من الأوربيين بالمسلمين, وتفهَّموا كثيرًا من تصوارت المسلمين ونظامهم الإلهي العادل, الذي منعهم من الانقياد له حقدهم الشديد على الدين والمتدينين, ثم رغبتهم في الانفلات من كل قيد وغير ذلك, فوقع اختيارهم على ذلك الماضي الجاهلي الإغريقي ونادوا بتجديده والسير على نهجه؛ كي يبعدهم عن شبح البابوات والأباطرة والإقطاعيين ومن جاء بعدهم من الجشعين الرأسماليين, فاتَّخذوه شعارًا -بِغَضِّ النَّظَرِ عن تحقيقه- يحاربون تحته, ومع طموح الشعوب إلى تحقيق هذا الحلم, فقد وجد الدعاة له من المشقَّة والتَّنكيل والسجن على أيدي أصحاب السلطة المستأثرين بها, وعلى أيدي البابوات والوجهاء والأثرياء في ذلك الوقت ما لا يوصف, وهو أمر بدهي, إلّا أنَّ دعاة تلك الديمقراطية لم يضعف عزمهم ولم تخنهم شجاعتهم, فكانوا كما قيل:
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلج
وتَمَّ له بعد الكفاح المرير الوصول إلى كراسيّ السلطة, وإخضاع أمراء الإقطاع والمستأثرين بالسلطة إلى الرضوخ للأمر الواقع, وزحزحت البساط