يا علي بن هيثم يا سماقا ... قد ملأت الدنيا علينا نفاقا
خل لحييك يسكنان ولا تضرب ... على تغلب بلحييك طاقا
لا تشادق إذا تكلمت واعلم ... أن للناس كلهم أشداقا
وكان علي بن الهيثم جوادا، بليغ اللسان والقلم.
وقال أبو يعقوب الخريمي: ما رأيت كثلاثة رجال يأكلون الناس أكلا حتى أذا رأوا ثلاثة رجال ذابوا كما يذوب الملح في الماء، والرصاص في النار: كان هشام بن محمد علامة نسابة، وراوية للمثالب عيابة، فإذا رأى الهيثم بن عدي ذاب كما يذوب الرصاص في النار. وكان علي بن الهيثم مفقعانيا صاحب تفقيع وتقعير، ويستولي على كلام أهل المجلس لا يحفل بشاعر ولا بخطيب، فإذا رأى موسى الضبي ذاب كما يذوب الرصاص عند النار. وكان علويه المغني واحد الناس في الرواية وفي الحكاية، وفي صنعة الغناء وجودة الضرب، وفي الإطراب وحسن الحلق، فإذا رأى مخارقا ذاب كما يذوب الرصاص عند النار.
ثم رجع بنا القول إلى ذكر التشديق وبعد الصوت.
قال أبو عبيدة: كان عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب، رديفا للملوك، ورحّالا إليهم، وكان يقال له عروة الرحال، فكان يوم أقبل مع ابن الجون، يريد بني عامر، فلما انتهى إلى واردات مع الصبح، قال له عروة: إنك قد عرفت طول صحبتي لك، ونصيحتي إياك، فأذن لي فأهتف بقومي هتفة.
قال: نعم، وثلاثا. فقام فنادى: يا صباحاه! ثلاث مرات. قال: فسمعنا شيوخنا يزعمون أنه أسمع أهل الشعب، فتلببوا للحرب، وبعثوا الربايا، ينظرون من أين يأتي القوم.
قال: وتقول الروم: لولا ضجة أهل رومية وأصواتهم، لسمع الناس جميعا صوت وجوب القرص في المغرب.