ولصار شعرهما نوادر سائرة في الآفاق. ولكن القصيدة إذا كانت كلها أمثالا لم تسر، ولم تجر مجرى النوادر. ومتى لم يخرج السامع من شيء إلى شيء لم يكن لذلك عنده موقع.
قال: وقال بعض الشعراء لرجل: أنا أقول في كلّ ساعة قصيدة، وأنت تقرضها في كل شهر. فلم ذلك؟ قال: لأني لا أقبل من شيطاني مثل الذي تقبل من شيطانك.
قال: وأنشد عقبة بن رؤبة (أباه رؤبة) بن العجاج شعرا وقال له: كيف تراه؟ قال: يا بنيّ إن أباك ليعرض له مثل هذا يمينا وشمالا فما يلتفت إليه.
وقد رووا مثل ذلك في زهير وابنه كعب.
قال: وقيل لعقيل بن علّفة: لم لا تطيل الهجاء؟ قال:«يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق» .
وقيل لأبي المهوّش: لم لا تطيل الهجاء؟ قال: لم أجد المثل النادر إلا بيتا واحدا، ولم أجد الشعر السائر إلا بيتا واحدا.
قال: وقال مسلمة بن عبد الملك لنصيب الشاعر: ويحك يا أبا الحجناء، أما تحسن الهجاء؟ قال: أما تراني أحسن مكان عافاك الله: لا عافاك الله! ولاموا الكميت بن زيد على الإطالة، فقال:«أنا على القصار أقدر» .
وقيل للعجاج: ما لك لا تحسن الهجاء؟ قال: هل في الأرض صانع إلا وهو على الإفساد أقدر.
وقال رؤبة:«الهدم أسرع من البناء» .
وهذه الحجج التي ذكروها عن نصيب والكميت والعجاج ورؤبة، إنما ذكروها على وجه الاحتجاج لهم. وهذا منهم جهل إن كانت هذه الأخبار صادقة وقد يكون الرجل له طبيعة في الحساب وليس له طبيعة في الكلام،