ولا صاح واستهلّ، أليس مثل ذلك يطلّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله:«أسجع كسجع الجاهلية» قال عبد الصمد: لو أن هذا المتكلم لم يرد إلا الإقامة لهذا الوزن، لما كان عليه بأس، ولكنه عسى أن يكون أراد إبطال حق فتشادق في الكلام.
وقال غير عبد الصمد: وجدنا الشعر: من القصيد والرجز، قد سمعه النبي صلّى الله عليه وآله فاستحسنه وأمر به شعراءه، وعامة أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله قد قالوا شعرا، قليلا كان ذلك أم كثيرا، واستمعوا واستنشدوا. فالسجع والمزدوج دون القصيد والرجز، فكيف يحلّ ما هو أكثر ويحرم ما هو أقلّ. وقال غيرهما: إذا لم يطل ذلك القول، ولم تكن القوافي مطلوبة مجتلبة، أو ملتمسة متكلفة، وكان ذلك كقول الأعرابي لعامل الماء:«حلّئت ركابي، وخرّقت ثيابي، وضربت صحابي» - حلّئت ركابي، أي منعت إبلي من الماء والكلأ.
والركاب: ما ركب من الإبل- قال:«أو سجع أيضا؟» . قال الأعرابي: فكيف أقول؟ لأنه لو قال حلّئت إبلي أو جمالي أو نوقي أو بعراني أو صرمتي، لكان لم يعبر عن حق معناه، وإنما حلّئت ركابه، فكيف يدع الركاب إلى غير الركاب. وكذلك قوله: وخرقت ثيابي، وضربت صحابي. لأن الكلام إذا قل وقع وقوعا لا يجوز تغييره، وإذا طال الكلام وجدت في القوافي ما يكون مجتلبا، ومطلوبا مستكرها.
ويدخل على من طعن في قوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ
. وزعم أنه شعر، لأنه في تقدير مستفعلن مفاعلن، وطعن في قوله في الحديث عنه:«هل أنت إلا إصبع دميت؟ وفي سبيل الله ما لقيت» - فيقال له: اعلم أنك لو اعترضت أحاديث الناس وخطبهم ورسائلهم، لوجدت فيها مثل مستفعلن مستفعلن كثيرا، ومستفعلن مفاعلن. وليس أحد في الأرض يجعل ذلك المقدار شعرا. ولو أن رجلا من الباعة صاح: من يشتري باذنجان؟ لقد كان تكلم بكلام في وزن مستفعلن مفعولات. وكيف يكون هذا شعرا وصاحبه لم يقصد إلى الشعر؟ ومثل هذا المقدار من الوزن قد يتهيأ في جميع الكلام. وإذا جاء المقدار الذي يعلم أنه من نتاج الشعر والمعرفة بالأوزان والقصد إليها، كان ذلك شعرا. وهذا قريب، والجواب سهل بحمد الله.