للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسمعت غلاما لصديق لي، وكان قد سقي بطنه «١» ، وهو يقول لغلمان مولاه: «اذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى» . وهذا الكلام يخرج وزنه على خروج فاعلاتن مفاعلن، فاعلاتن مفاعلن مرتين. وقد علمت أن هذا الغلام لم يخطر على باله قط أن يقول بيت شعر أبدا. ومثل هذا كثير، ولو تتبعته في كلام حاشيتك وغلمانك لوجدته.

وكان الذي كرّه الأسجاع بعينها وإن كانت دون الشعر في التكلف والصنعة، أن كهان العرب الذين كان أكثر الجاهلية يتحاكمون إليهم، وكانوا يدعون الكهانة وأن مع كلّ واحد منهم رئيا من الجن مثل حازي جهينة «٢» ، ومثل شقّ وسطيح، وعزّى سلمة وأشباههم، كانوا يتكهنون ويحكمون بالأشجاع، كقوله: «والأرض والسماء، والعقاب الصقعاء «٣» ، واقعة ببقعاء «٤» ، لقد نفر المجد بني الشعراء، للمجد والسناء» .

وهذا الباب كثير. ألا ترى أن ضمرة بن ضمرة، وهرم بن قطبة، والأقرع ابن حابس، ونفيل بن عبد العزّى كانوا يحكمون وينفّرون بالأسجاع. وكذلك ربيعة بن حذار.

قالوا: فوقع النهي في ذلك الدهر لقرب عهدهم بالجاهلية، ولبقيتها فيهم وفي صدور كثير منهم، فلما زالت العلة زال التحريم.

وقد كانت الخطباء تتكلم عند الخلفاء الراشدين، فيكون في تلك الخطب أسجاع كثيرة، فلا ينهونهم.

وكان الفضل بن عيسى الرّقاشي سجّاعا في قصصه. وكان عمرو بن عبيد، وهشام بن حسان، وأبان بن أبي عياش، يأتون مجلسه. وقال له داود ابن أبي هند: لولا أنك تفسر القرآن برأيك لأتيناك في مجلسك. قال: فهل

<<  <  ج: ص:  >  >>