بكلام قط أعم نفعا، ولا أقصد لفظا، ولا أعدل وزنا، ولا أجمل مذهبا، ولا أكرم مطلبا، ولا أحسن موقعا، ولا أسهل مخرجا، ولا أفصح معنى، ولا أبين في فحوى، من كلامه صلّى الله عليه وسلّم كثيرا.
قال: ولم أرهم يذمون المتكلف للبلاغة فقط، بل كذلك يرون المتظرف والمتكلف للغناء. ولا يكادون يضعون اسم المتكلف إلا في المواضع التي يذمونها.
قال قيس بن الخطيم:
فما المال والأخلاق إلا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزوّد
وإني لأغنى الناس عن متكلّف ... يرى الناس ضلالا وليس بمهتد
وقال ابن قميئة:
وحمال أثقال إذا هي أعرضت ... عن الأصل لا يسطيعها المتكلّف
قال محمد بن سلّام: قال يونس بن حبيب: «ما جاءنا عن أحد من روائع الكلام ما جاءنا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» .
وقد جمعت لك في هذا الكتاب جملا التقطناها من أفواه أصحاب الأخبار. ولعل بعض من يتسع في العلم، ولم يعرف مقادير الكلم، يظن أنّا قد تكلفنا له من الامتداح والتشريف ومن التزيين والتجويد ما ليس عنده، ولا يبلغه قدره. كلا والذي حرم التزيد على العلماء، وقبح التكلف عند الحكماء، وبهرج الكذابين عند الفقهاء، لا يظن هذا إلا من ضل سعيه! فمن كلامه صلّى الله عليه وسلّم حين ذكر الأنصار فقال:«أما والله ما علمتكم إلا لتقلون عند الطمع، وتكثرون عند الفزع» . وقال:«الناس كلهم سواء كأسنان المشط» ، و «المرء كثير بأخيه» ، و «لا خير في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له» . وقال الشاعر: