الرأي ليس بنهبى، وخمير الرأي خير من فطيره. ورب شيء غابّه خير من طريه، وتأخيره خير من تقديمه.
ولما قدم بعبد الجبار بن عبد الرحمن، إلى المنصور، قال: يا أمير المؤمنين، قتلة كريمة. قال: وراءك تركتها، يا ابن اللخناء.
ولما احتال أبو الأزهر المهلب بن عبيثر المهري، لعبد الحميد بن ربعي ابن معدان، وأسلمه إلى حميد بن قحطبة، وأسلمه حميد إلى المنصور، فلما صار إلى المنصور قال: لا عذر فأعتذر وقد أحاط بي الذنب، وأنت أولى بما ترى. قال: لست أقتل أحدا من آل قحطبة، بل أهب مسيئهم لمحسنهم، وغادرهم لوفيّهم. قال: إن لم يكن فيّ مصطنع فلا حاجة بي إلى الجاه.
ولست أرضى أن أكون طليق شفيع وعتيق ابن عم. قال: أخرج، فإنك جاهل، أنت عتيقهم ما حييت.
قال زياد بن ظبيان التيمي، لأبنه عبيد الله بن زياد، وزياد يومئذ يكيد بنفسه وعبيد الله غلام: ألا أوصى بك الأمير زيادا؟ قال: لا. قال: ولم؟
قال: إذا لم تكن للحي إلا وصية الميّت فالحي هو الميت.
ودخل عمرو بن سعيد الأشدق بعد موت أبيه على معاوية، وعمرو يومئذ غلام، فقال له معاوية: إلى من أوصى بك أبوك يا غلام؟ قال: إن أبي أوصى إليّ ولم يوصى بي. قال:
وبأي شيء أوصاك؟ قال: أوصاني ألا يفقد إخوانه منه إلا وجهه. قال معاوية لأصحابه: إن ابن سعيد هذا لأشدق.
ولما داهن سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب، في شأن إبراهيم بن عبد الله وصار سفيان إلى المنصور، أمر الربيع فخلع سواده. ووقف به على رؤوس اليمانية في المقصورة يوم الجمعة، ثم قال: يقول لكم أمير المؤمنين: قد عرفتم ما كان من إحساني إليه، وحسن بلائي عنده، والذي حاول من الفتنة والغدر، والبغي وشقّ العصا، ومعاونة الأعداء، وقد رأى أمير المؤمنين أن يهب مسيئكم لمحسنكم، وغادركم لوفيكم.
وقال يونس بن حبيب: المفحم يأتيه دون ما يرضى، ويطلب فوق ما يقوى.