هذا العمل من بني هاشم، ومن صنائعهم ورجال دعوتهم، وإنهم قد علموا حاجة الناس إلى أن يهابوهم، وإن ذلك هو صلاح شأنهم- إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان أكثر الناس قناعا.
والدليل على أن ذلك قد كان شائعا في الأسلاف المتبوعين أنا نجد رؤوساء جميع أهل الملل، وأرباب النحل، على ذلك. ولذلك اتخذوا في الحروب الرايات والأعلام، وإنما ذلك كله خرق سود وحمر وصفر وبيض.
وجعلوا اللواء علامة للعقد والعلم في الحرب مرجعا لصاحب الجولة. وقد علموا أنها وإن كانت خرقا على عصي إن ذلك أهيب في القلوب وأهول في الصدور، وأعظم في العيون. ولذلك أجمعت الأمم رجالها ونساؤها على إطالة الشعور، لأن ذا الجمة أضخم هامة وأطول قامة، وإن الكاسي أفخم من العاري. ولولا أن حلق الرأس طاعة وعبادة، وتواضع وخضوع، وكذلك السعي ورمي الجمار، لما فعلوا ذلك.
وفي الحديث أنه لا يفتح عموريّة إلا رجال ثيابهم ثياب الرهبان وشعورهم شعور النساء.
وكل ما زادوه في الأبدان، ووصلوه بالجوارح، فهو زيادة في تعظيم تلك الأبدان.
والعصي والمخاصر مع الذي عددناه، ومع ذلك الذي ذكرناه ونريد ذكره من خصال منافعها، كله باب واحد.
والمغنّي قد يوقّع بالقضيب على أوزان الأغاني، والمتكلم قد يشير برأسه ويده على أقسام كلامه وتقطيعه. ففرقوا ضروب الحركات على ضروب الألفاظ وضروب المعاني. ولو قبضت يده ومنع حركة رأسه، لذهب ثلثا كلامه.
وقال عبد الملك بن مروان: لو ألقيت الخيزرانة من يدي لذهب شطر كلامي.
وأراد معاوية سحبان وائل على الكلام، وكان قد اقتضبه إقتضابا، فلم