ورأوه مع ذلك يقول:«إيّاي والتشادق» . و «أبغضكم إليّ الثرثارون المتفيهقون» . ثم رأوه في جميع دهره في غاية التسديد والصواب التام، والعصمة الفاضلة، والتأييد الكريم. علموا أن ذلك من ثمرة الحكمة ونتاج التوفيق، وإن تلك الحكمة من ثمرة التقوى. ونتاج الإخلاص.
وللسلف الطيّب حكم وخطب كثيرة، صحيحة ومدخولة، لا يخفى شأنها على نقّاد الألفاظ وجهابذة المعاني، متميزة عند الرواة الخلّص وما بلغنا عن أحد من جميع الناس أن أحدا ولد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبة واحدة.
فهذا وما قبله حجة في تأويل ذلك إن كان حقا.
وفي كتاب الله المنزل. أن الله تبارك وتعالى جعل منيحة داود الحكمة وفصل الخطاب، كما أعطاه إلانة الحديد.
وفي الحديث المأثور، والخبر المشهور، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«شعيب خطيب الأنبياء» .
وعلم الله سليمان منطق الطير، وكلام النمل، ولغات الجن. فلم يكن عزّ وجلّ ليعطيه ذلك ثم يبتليه في نفسه وبيانه عن جميع شأنه، بالقلة والمعجزة، ثم لا تكون تلك القلة إلا على الإيثار منه للقلة في موضعها، وعلى البعد من استعمال التكلف، ومناسبة أهل الصنعة، والمشغوفين بالسمعة. وهذا لا يجوز على الله عز وجل.
فإن كان الذي رويتم من قوله:«إنا معشر الأنبياء بكاء» على ما تأولتم، وذلك أن لفظ الحديث عام في جميع الأنبياء، فالذي ذكرنا من حال داود وسليمان عليهما السلام، وحال شعيب والنبي صلّى الله عليه وسلّم، دليل على بطلان تأويلكم، ورد عموم لفظ الحديث: