وكان الشاعر أرفع قدرا من الخطيب، وهم إليه أحوج، لردّه مآثرهم عليهم وتذكيرهم بأيامهم، فلما كثر الشعراء وكثر الشعر صار الخطيب أعظم قدرا من الشاعر.
والذين هجوا فوضعوا من قدر من هجوه، ومدحوا فرفعوا من قدر من مدحوا، وهجاهم قوم فردوا عليهم فأفحموهم، وسكت عنهم بعض من هجاهم مخافة التعرض لهم، وسكتوا عن بعض من هجاهم رغبة بأنفسهم عن الرد عليهم، وهم إسلاميون: جرير والفرزدق والأخطل. وفي الجاهلية: زهير، وطرفة، والأعشى، والنابغة. هذا قول أبي عبيدة.
وزعم أبو عمرو بن العلاء: أن الشعر فتح بامرىء القيس وختم بذي الرمّة.
ومن الشعراء من يحكم القريض ولا يحسن من الرجز شيئا، ففي الجاهلية منهم: زهير، والنابغة، والأعشى. وأما من يجمعهما فامرؤ القيس وله شيء من الرجز، وطر؟؟؟ ة وله كمثل ذلك، ولبيد وقد أكثر.
ومن الإسلاميين من لا يقدر على الرجز وهو في ذلك يجيد القريض:
كالفرزدق وجرير. ومن يجمعهما فأبو النجم، وحميد الأرقط، والعماني، وبشّار بن برد. وأقل من هؤلاء يحكم القصيد والإرجاز والخطب. وكان الكميت، والبعيث، والطرماح شعراء خطباء، وكان البعيث أخطبهم. وقال يونس: لئن كان مغلّبا في الشعر لقد كان غلّب في الخطب.
وإذا قالوا: غلّب فهو الغالب.
وقال الحسين بن مطير الأسديّ:
فيا قبر معن كنت أوّل حفرة ... من الأرض خطّت للمكارم مضجعا
فلما مضى معن مضى الجود وانقضى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا
فتى عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعا
تعزّ أبا العباس عنه ولا يكن ... جزاؤك من معن بأن تتضعضعا