للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من ذلك أقرب، ومن سعادة جده أن المثل ضرب بعقله وحلمه، وانتشر على لسان الخطير والحقير ذكر فضله، حتى إن الإنسان كان إذا بالغ في وصف رجل قال: "كأنه أبو عُمَر القاضي"، وإذا امتلأ الإنسان غيظًا قال: "لو أني أبو عُمَر القاضي ما صبرت"، سوى ما أنضاف إلى ذلك من الجلالة، والرياسة، والصبر على المكاره، واحتمال كل جريرة إن لحقته من عدوه، وغلط إن جرى من صديقه، وتعطفه بالإحسان على الكبير والصغير، واصطناع المعروف عند الداني والقاصي، ومداراته للنظير والتابع، ولم يزل على طول الزمان يزداد جلالة ونُبْلًا، ثم استخَلَف لأبيه على القضاء بالجانب الشرقي؛ فكان يحكم بين أهل مدينة المَنْصُور رياسة، وبين أهل الجانب الشرقية خلافة، إلى سنة اثنتين وتسعين ومائتين؟ فإن أبا حازم توفي وكان قاضيًا على الكرخ -أعني الشرقية-، فنُقِلَ أبو عُمَر عن مدينة المَنْصُور إلى قضاء الشرقة، فكان على ذلك إلى سنة ست وتسعين ومائتين، ثم صُرف هو ووالده يُوسُف عن جميع ما كان إليها، وتوفي والده سنة سبع وتسعين ومائتين، وما زال أبو عُمَر ملازمًا لمنزله إلى سنة إحدى وثلاثمائة، فإن أبا الحَسَن عَلي بن عِيْسى تقلد الوزارة؛ فأشار على المقتدر به، فرضي عنه، وقلده الجانب الشرقي والشرقية، وعدة نواح من السواد، والشَّام، والحرَمين، واليمن وغير ذلك، وقلده القضاء سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وحمل الناس عنه علمًا واسعًا من الحديث، وكتب الفقه التي صنَّفها إِسْماعِيل -يعني ابن إِسْحاق-، وقطعة من التفسير، وعمل "مسندًا" كبيرًا قرأ أكثره على الناس، ولم ير الناس ببَغْداد أحسن من مجلسه لمّا حدَّث، وذلك أن العلماء وأصحاب الحديث كانوا يتجملون بحضور مجلسه، حتى أنه كان يجلس للحديث وعن يمينه أبو القاسم بن مَنِيْع -وهو قريب من أبيه في السن والإسناد-، وابن صاعد على يساره، وأبو بَكْر النَّيْسابُوْرِي بين يديه، وسائر الحفاظ حول سريره".

<<  <  ج: ص:  >  >>