أبي داود لما أمر أبو ليلى الحارث بن عَبْد العزيز بضرب عنقه لما تقولوا عَلِيه، وكان -رحمه الله- احتسب في أمر عَبْد الله بن أبي داود السِّجِسْتاني لما امتحن، وتشمّر في استنقاذه من القتل، وذلك أَن أبا بَكْر بن أبي داود قدم أَصْبَهان، وكان من المتبَحْرين في العلم والحفظ والذكاء والفهم، فحسده جماعة من الناس، وأجرى يومًا في مذكراته ما قالته الناصبة في أمير المؤمنين عَلِي -رضي الله عنه-، فإِن الخوارج والنواصب نسبوه إِلى أَن أظافيره قد حفيت من كَثِيْرة تسلقه على أم سَلَمَة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونسبوا الحكاية إِليه وتقوّلوا عَلِيه، وحرَّضوا عَلِيه جَعْفَر بن مُحَمَّد بن شَرِيْك، وأقاموا بعض العلوية خصماء له، فأُحضر مجلس الوالي أبي ليلى الحارث بن عَبْد العزيز، وأقاموا عَلِيه الشهادة، فيما ذكر مُحَمَّد بن يحيى بن مَنْدَة، وأَحْمَد بن عَلِي بن الجارود، ومُحَمَّد بن العَبَّاس الأخرم، فأمر الوالي أبو ليلى بضرب عنقه، فاتصل الخبر بمُحَمَّد بن عَبْد الله بن الحَسَن، فحضر الوالي أبا ليلى وجرح الشهود، وقدح في شهادتهم فنسب مُحَمَّد بن يحيى إِلى العقوق؛ وأنه كان عاقًا لوالده، ونسب ابن الجارود إِلى أنَّه مُرْبٍ يأكل الربا، ويؤكل الناس الربا، ونسب الأخرم إِلى أنَّه مقرئ غير صدوق، وأخذ بيد عَبْد الله بن أبي داود فأخرجه، وخلّصه من القتل، فكان عَبْد الله بن أبي داود يدعوا لمُحَمَّد بن عَبْد الله طُولَ حياته، ويدعوا على الذين شهدوا عَلِيه، فاستجيب له فيهم، وأصابت كل واحد منهم دعوتهن، فمنهم من احترق، ومنهم من خَلَّط وفَقَد عقله".
فهذه قصة محنته قد حكاها حافظان جليلان من أهل البلد الَّذي جرت القضية فيه، وهما أعرف بالقصة والشهود، وأمَّا قول ابن عَدِي في "كامله": سمعت مُحَمَّد بن الضَّحاك بن عَمْرو بن أبي عاصم النبيل (١) يقول: أشهد على مُحَمَّد
(١) قال المعلمي في "التنكيل" (١/ ٣٠١): مُحَمَّد بن الضَّحاك هذا له ترجمة في "تارِيخ بَغْداد"، ولم يذكر فيه توثيقًا ولا جرحًا، وابن مَنْدَة هو أحد الذين شهدوا بأَصْبَهان فجُرِّحوا.