"بسم الله الرَّحمن الرحيم، لي عندك أدام الله عزّك كَتْب جواب جميعها مرغوب بإذن الله، وكان في كتابك اليوم: أن جماعة من حملة الآثار حاطهم الله، حضروا يشكون المعروف بأبي الرَّبِيْع في تصييره حاجبًا، وحجازًا بينهم وبين السماع من أبي بَكْر بن المُقْرِئ أعزه الله؛ تصرفًا مع الطمع وإخلادًا إلى الشره، فاسْتَعظَمتُ ما يجري إليه ذلك الغبي، إذ من المفروض على أهل البصائر حسن التعاون على نقلة السُّنَن، والرفق بمن هجر الأوطان، وامتطى الأقدام، وصبر على لأْواء السفر، وشق النفس وضنك العيش، ومفارقة الأهل والولد، كل ذلك حِرصًا على أن يتحمل صالح ما نقل عن سيد المرسلين، وخير الأنبياء أجمَعِيْن، صلى الله عَلِيه وآله الطاهرين، فَمَنْ أَعْنتَ وافدهم، وجفا واردهم، ورد طالبهم، وخيب واعيهم، كان على خسر وضلال، وجهل وخبال، فقد كتبنا في الأثر المسموع، والمسند المعروف: "أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"، وسبيل هذا المشكو أن يُمنع من الاستملاء، ليتولاه من هو لين، يحنو على الغريب، ويرفق بالضعيف، ويقرب الأمد على السامع، ويلطف للشيخ أعزه الله، فيتحين أوقات نشاطه، ويرفهه عند ضجره وانقباضه، ويطلب وجه الله بفعله، ويتوخى الأجر بحسن هديه، فأحسن أدام الله عزك الاهتمام بذلك، لتُجري أمور هذه العصبة على سدادٍ واستقامة، واستمداد واستفادة، جعلنا الله من الذين إذا رأوا خيرًا سارعوا إليه، وإذا شاهدوا نكرًا غاروا عَلِيه".
قال السَّمْعاني في "الأَنْسَاب": "كان فاضلًا عالمًا ورعًا، ظهر له معَرَفَة وأنس بالحديث؛ لكثرة ما سمع بقراءة الحفاظ، وكان صحب أبا عَلي الحُسَيْن بن عَلِي الحافظ النَّيْسابُوْرِي وغيره، وله رحلة إلى الشَّام، وديار مِصْر، والثغور، واليمن، وأدرك الشيوخ والعلماء، سمع بمكة، وببَغْداد، وبمِصْر، وبالموصل، وبالشَّام أصحاب هِشَام بن عَمَّار الدِّمَشْقِي وطبقتهم، وروى عنه جماعة آخرهم أبو مُسْلِم