يسلكون على نفس النحو, والمعيار باعتباره نوعًا من المتوسطات يتضمن في جوهره وجود اختلافات حوله بالزيادة أو النقص, إلّا أنه في نفس الوقت يرى أن من الواجب مساعدة الطفل "المختلف عن المعيار" على التكيف؛ فالاختلاف عن "المعيار" عنده علامة على عدم التكيف.
والسؤال الثاني: ما هي النصيحة التي توجه للمهتمين بالنمو, حول ما يمكن أن يفعلوه لمواجهة الدورات الجيدة والسيئة للنمو من ناحيةٍ, والانحراف عن المعيار المتوسط من ناحية أخرى؟ الإجابة عند أصحاب مدرسة جيزل بإيجاز هي الصبر والانتظار حتى تمر دورة النمو السيئة الحتمية. أمّا بالنسبة لعلامات سوء التكيف فإنهم لا يوصون بأي أسلوب علاجي واضح أو صريح، وفي هذا كان الخطأ الفادح لأصحاب اتجاه معايير العمر على وجه العموم.
إلّا أن أهم أخطاء جيزل على وجه الخصوص تشبثه المتطرف بفكرة الأثر شبه الوحيد الذي تلعبه الوراثة في نمو الإنسان؛ فالنمو هو أيضًا انعكاس للبيئة التي ينشط فيها، ومما يؤكد ذلك ما تَبَيَّنَ من أنه حتى الجوانب العامة نسبيًّا في سلوك الإنسان, والتي درسها جيزل, ثبت أنها تظهر درجة كبيرة من التفاوت؛ فالأطفال من مختلف الثقافات والبيئات لا يظهرون نفس الدرجة من القدرة في عمر زمني ثابت, بالإضافة إلى أن تأكيد جيزل على فكرة "المعالم الرئيسية للنمو" أدى إلى إخفاء الحقيقة العلمية الواضحة, وهي أن المكونات المختلفة للنمو تظهر بدرجات مختلفة في فترت زمنية مختلفة من مدى حياة الإنسان. ناهيك عن أن النضج الذي يلعب دورًا هامًّا في النمو أثناء الطفولة التي كانت موضوع جيزل الرئيسي يقلّ دروه في بعض المراحل الأخرى "الرشد مثلًا"، ففي مرحلة الرشد تلعب البيئة والثقافة ومتطلبات المجتمع الدور الحاسم, ولعل هذا ما جعل ليفنسون "Levinson, ١٩٧٨" في نظريته حول مراحل نمو الذكور، وفريز "Frieze" في نظريتها حول مراحل نمو الإناث يحلان ما يسميانه "الساعة الاجتماعية" في مرحلة الرشد محل "الساعة البيولوجية" التي تسود مرحلة الطفولة.