للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السلوك الاجتماعي في طور السعي "الشباب":

تضيق في طور السعي دائرة الأصدقاء الحميمين, وتتسع دائرة الجماعات, ومعنى ذلك أن الشاب يقل عنده عدد أصدقاءه الحميمين, ويزداد عدد صداقاته العامة ومعارفه, كما يتوجه اهتمامه إلى اكتشاف عالم الجنس الآخر.

ويلاحظ على السلوك الاجتماعي في هذا الطور أنه يتحوّل تدريجيًّا من الأنانية التقليدية التي تنشأ من الشعور بعدم الأمن في المواقف الجديدة, إلى تأكيد الذات, ولهذا نجد الفرد بدلًا من أن يذيب فرديته ليصبح أحد أفراد الجماعة, تزداد

لديه الرغبة في الاعتراف به كفردٍ, والحصول على موافقة الجماعة على ذلك, ومن خلال التجريب يكتشف ما هو مرغوب اجتماعيًّا، ثم يستخدم طرقًا أكثر حذقًا في جذب الانتباه، فيرتدي أحدث موضات الأزياء, بدلًا من الانبهار بالملابس ذات الألوان والرسوم الزاهية, كما يعبر عن وجهات نظر محددة بدلًا من الزهو بما لديه من أفكار مستحدثة.

ونتيجةً لتوافر الفرص الكثيرة للمشاركة الاجتماعية ينمو لدى الشاب استبصاره الاجتماعي, فيصبح أكثر قدرةً على الحكم على الأشخاص, سواء من نفس الجنس أو الجنس الآخر, ولذلك يحقق لنفسه توافقًا اجتماعيًّا أفضل مما كان عليه الحال في الطور السابق, ومع زيادة المشاركة الاجتماعية تزيد كفاءته الاجتماعية، كما تتمثل في الحوار وممارسة الألعاب الشائعة في مثل سنه, ويعرف أكثر الطرق الصحيحة للسلوك في المواقف الاجتماعية المختلفة, وبالطبع كلما زادت مشاركته الإيجابية في المسائل الاجتماعية أثناء مراهقته المبكرة تزداد كفاءته الاجتماعية في طور السعي, ونتيجةً لذلك كله يُلاحَظُ على الشاب أنه أكثر ثقة بالنفس.

وتتوافر للشاب صداقات من مستويات مختلفة, وقد قلنا أن الصداقات الحميمة يقل عددها، وتزداد أهمية الثُّلَلِ التي تصبح أقرب إلى الجمهرة من حيث بنية العلاقات الاجتماعية فيها, ويتوافر ذلك خاصةً لأولئك الذين يلتحقون بمرحلة التعليم الجامعي والعالي, دون الذين يلتحقون بعملٍ أو مهنةٍ بعد انتهاء التعليم الثانوي, ويتوافر ذلك خاصةً أيضًا حين تكون بيئة الدراسة الجامعية أو العالية شبيهة ببيئة المدرسة الثانوية, أما إذا كانت الدراسة لا توفر إلّا القليل من الفرص للحياة الاجتماعية, ويحتل العمل فيها الاهتمام الأكبر, فإن التجمعات الاجتماعية تكون أقل تحديدًا, أما بيئة العمل لأولئك الذين لا يستكملون دراستهم, فالملاحظ فيها أن الشاب يتصل بأفرادٍ من مختلف الأعمار, ومعظمهم له صداقاته الخاصة خارج نطاق العمل, ومالم يتوافر لهذا الشاب بقيةٌ من أصدقاء الدراسة الذين يعيشون ويعملون بالقرب منه, فإنه قد يجد نفسه وحيدًا منعزلًا.

وتوضح لنا البحوث التي أُجْريَتْ على ما يُسَمَّى "تذبذب الصداقة" أن الصداقات التي تتسم بقدرٍ من الثبات والاستقرار في المراهقة المبكرة, والتي لم تكن كذلك أثناء الطفولة, تصبح مرةً أخرى أقل استقرارًا في طور السعي, والسبب في هذا لا يرجع إلى اختلاف معايير اختيار الأصدقاء في هذا الطور, بقدر ما يرجع إلى تغير نمط حياة الشاب, فبعد الانتهاء من المدرسة الثانوية يذهب البعض إلى

<<  <   >  >>