النموّ العقلي المعرفي:
أشرنا في الفصل السابق إلى أن بياجيه يرى أن مرحلة العمليات الصورية هي آخر مراحل النموّ المعرفي، وكل ما يحدث بعد ذلك هو بلورة Consolidation, واستقرار Stabilization هذه العمليات, ومعنى ذلك أن الأفراد بعد تجاوزهم الفترة من سن ١١-١٥ سنة تقريبًا "البلوغ والمراهقة المبكرة" يصبحون أكثر تعودًا على استخدام العلميات الصورية, وخاصةً في المجالات التي ترتبط بالتخصص المهني والأكاديمي.
إلّا أن هذا التصور التقليدي للنموِّ العقلي والمعرفي يتعرض في الوقت الحاضر للنقد من ناحيتين؛ أولاهما: أن هناك مراحل يمر بها الفرد لنموِّ العمليات الصورية ذاتها، وثانيهما: أن هناك محاولات لتجاوز مرحلة العمليات الصورية, واقتراح مراحل أخرى من النموِّ المعرفي تتلوها, وسوف نتناول المسألة الثانية بشيءٍ من التفصيل في الباب الخامس من هذا الكتاب, والذي يدور حول مرحلة الرشد الإنساني, أما المسألة الأول فنعرض لها هنا.
والمسلَّمة الأساسية التي تقوم عليها فكرة مستويات التفكير باستخدام العمليات الصورية, أن هذا النمط من التفكير لا يظهر كله مرة واحدة في بداية المراهقة، وقد كان بياجيه متنبهًا إلى ذلك, إلّا أنه لم يفصله بشكلٍ كافٍ، وكان يذكر على وجه الخصوص مستويين هما:
١- التفكير في البدائل والفروض والاحتمالات، ويظهر في طور المراهقة المبكرة, كما أوضحنا في الفصل السابق, والمراهق في هذا المستوى عندما يحاول حل مشكلة البندول, ويتوصل إلى حلٍّ لها, فإنه يتوقف، أي أنه لا يختبر جميع المتغيرات بطريقة منظمة.
٢- التفكير المنظم في الاحتمالات المختلفة، ويبدأ في الظهور في المراحل المتأخرة من المراهقة, أو بلغة هذا الكتاب طور السعي, وفي هذا المستوى يبحث الشاب عَمَّا هو ضروريّ, وكذلك ما هو كافٍ لتغيير سرعة حركة البندول، وبالتالي يحاول اختبار كلِّ متغيرٍ, وجميع العلاقات الممكنة بين المتغيرات.
إلّا أن البحوث تقترح ما هو أكثر من هذين المستويين, وقد قام كثيرٌ من الباحثين باستخدام كثيرٍ من المهام التي اقترحها بياجيه, ووجدوا أن تفكير الشباب يسير في مستويات أربعة "Case ١٩٨٥", ولكي نوضح هذه المستويات الجديدة نضرب مثالًا من مهمة شهيرة لبياجيه, وهي التي يطلب فيها من المفحوص الحكم