يولد الطفل كما أشرنا وهو مزوّدٌ بإمكاناتٍ نموِّ الشخصية، ومنها تنمو الشخصية بالفعل، وهو النموّ الذي تتحكم فيه ثلاث فئاتٍ من العوامل هي: الوراثة, والخبرات المبكرة داخل الأسرة, وأحداث الحياة اللاحقة. وبسبب اختلاف هذه العوامل من فردٍ لآخر, فإننا لا نجد شخصين يتحولان إلى شخصيتين متطابقتين.
ولعل أشهر وصفٍ لمرحلة الرضاعة أنها "مرحلة حرجة" في نموِّ الشخصية, وقد جاء هذا الوصف من أنها مرحلة بناء الأسس التي تقوم عليها شخصية الإنسان فيما بعد, وعلى الرغم من أن الشخص الراشد قد لا يتذكر إلّا القليل مما حدث له أثناء هذه المرحلة, فإن خبرات مرحلة الرضاعة لها أهمية قصوى في تشكيل الشخصية فيما بعد.
ولأن بيئة الرضيع محدودة "ببيئة المنزل"، ولأن والديه "وبخاصة أمه" هما رفيقاه الدائمان, يرى معظم علماء نفس النمو أن شخصية الفرد تتأثر تأثرًا كبيرًا بالعلاقة بين الطفل ووالديه في هذه المرحلة.
ومن المسائل الهامة التي يجب أن ننوِّهَ بها في هذه المرحلة, أن الرضيع لا يمكن وصفه بأنه كائنٌ خلقي أو لا خلقي؛ فالضمير لا يكون قد تَكَوَّنَ عنده بعد، كما لا يتوافر له مقياس للقيمة, ويمكن وصفه بأن سلوكه لا توجهه المعايير الخلقية بعد, ومع مرور الوقت يتعلم من والديه, ثم بعد ذلك من رفاقه ومعلميه, القواعد الخلقية للجماعة وضرورة مسايرتها.
وبالطبع, فإن تعلُّمَ الطفل السلوك على نحوٍ مقبولٍ اجتماعيًّا عمليةً طويلة المدى, بطيئة السرعة, ومع ذلك نستطيع القول أن أسس هذه السلوك- كغيرها من أسس بناء الشخصية الإنسانية- توضع في هذه المرحلة، وعليها يقيم بناءه الأخلاقي الذي يوجه سلوكه مع نموِّه فيما بعد.