حين يصل الفرد إلى سن السادسة عشرة يجد من الصعب عليه تطبيق المفاهيم الخلقية التي تعلمها على المواقف المتنوعة المتصارعة التي يواجهها خلال خبراته الاجتماعية اليومية والعديدة, ومع زيادة النمو واتساع نطاق الخبرة "وخاصة بعد الالتحاق بالجامعة أو بالعمل" تتكوّن لديه مفاهيم محددة عن الصواب والخطأ, وعن الحق والباطل, وعن الفضيلة والرذيلة، وبذلك يصبح أكثر قدرةً على التعامل مع المواقف الجديدة المتصارعة, ويسلك تبعًا لمفاهيمه الخلقية دون ضغط من الخارج، بالإضافة إلى أنه يصبح أكثر قدرةً على تعميم المفاهيم الخلقية التي تعلمها في علاقتها بأفعالٍ معينة.
إلّا أن أخطر ما يمكن أن يحدث في هذا الطور زيادة التسامح مع بعض صور السلوك غير الخلقي؛ فاتجاهات طلاب الجامعات نحو الغش أكثر تسامحًا, وربما تكون لهذ الاتجاه جذوره في المراحل السابقة التي تَفَشَّى فيها الغش بشكلٍ خطير, ويبررون هذا التسامح بأهمية التقديرات التي يحصل عليها الطالب في مستقبله التعليمي والمهني, ثم يزداد الطين بلة حين يكتشف الشاب من خلال ما يقرأ أو يسمع من قصص الانحراف والفساد أن بعض الأشخاص الناجحين اقتصاديًّا بل واجتماعيًّا هم من فئة "المنحرفين" هذه, وأنهم كثيرًا ما ينجون من العقاب حتى بعد اكتشاف فسادهم, ومن هنا تزداد مشكلة "المعايير المزدوجة" حدةً لدى الشاب, ويؤدي ذلك كله إلى تعويق نموِّه الخلقي لعجزه عن إدراك "المعنى المطلق" في القيم الخلقية, وبذلك يتأخر وصوله إلى المستوى الثالث للنموِّ الخلقي "مستوى ما بعد التقليدي" الذي وصفه كولبرج.
ولعل وسائل الأعلام -وخاصة الصحافة- هي المسئولة الكبرى عن هذا "الانهيار الخلقي" لدى بعض الشباب، فلا يكاد يقرأ المرء فيها إلى جانب قصص الفساد قصةً واحدة لنموذجٍ خلقيٍّ رفيع, أضف إلى ذلك ما أضافه عصر الفيديو من عوامل خلل إضافية في النسق القيمي الأساسي, وإذا لم نتدارك الأمر بالحرص الواجب من خلال تقديم نماذج سلوكية, ومُثُلٍ عليا للشباب, بأسلوب العرض المناسب والجذاب، وليس بأسلوب الوعظ والخطابة، فإن كارثةً أخرى توشك أن تحلَّ.
أما بالنسبة للاتجاهات الدينية: فلعلنا نذكر أن طور السعي ينبثق من فترة شكٍّ عاشها المراهق الصغير قبل ذلك، ولحسن الحظ فإن هذه الفترة يمكن أن تكون قصيرة ومؤقتة إذا أُحْسِنَ توجيه الشباب دينيًّا فيها, بالاعتماد على الطرق العلمية