[التغيرات الجوهرية في طور أرذل العمر]
أشرنا في الفصل السابق -حول الشيخوخة- إلى أن الإنسان في عمره الثالث من نموه يتعرض لتحديات توافقية خاصة تتزايد حدتها مع مزيد من التقدم في العمر, وتتلخص هذه التحديات في الفقدان الشخصي والعجز الجسمي والتحيزات الثقافية, وتتداخل هذه المجالات الثلاثة في وقت واحد, ومن أمثلة ذلك ما نلاحظه أحيانًا من ضعفٍ في قدرة المسن على القراءة؛ فقد يرجع ذلك إلى ضعفٍ جسميٍّ مثل تدهور قوة البصر أو الشعور بالألم في العين أثناء القراءة, وقد يرجع إلى السأم من المواد التي سبق له قراءتها عدة مرات, ولا تتوافر له إمكانات الحصول على الجديد، أو إلى الإجهاد النفسي الناجم عن فقدان الدور أو الاكتئاب, ومن الممكن أيضًا أن يكون السبب الجوهري في ذلك الاعتقاد الاجتماعي السائد في أن الشخص الطاعن في السن يفتقد القدرة على الفهم، وهذه العملية المتعددة أو المعقدة تؤكد أن الظواهر النفسية والجسمية ترتبط فيما بينها في طور الشيخوخة المتأخرة.
ولهذا فمن الضروري عادةً أن يسعى المسنون -وخاصة من يبلغ من العمر ٧٥ عامًا أو يزيد- إلى التوافق جسميًّا ونفسيًّا لضعف الوظائف الجسمية والأمراض المزمنة، أما الأشخاص الذين لا يستطيعون تكامل هذه التغيرات مع إحساسهم بالذات, قد يشعرون بالنقص في تقديرات الذات, ويجدون أنفسهم في موقف ضاغط أو مجهد.
صحيح أن الإنسان في أيّ مرحلة نمائية يظهر بعض الاضطراب السلوكي وسوء التوافق في ظروف الضغط أو الإجهاد, والخصائص الثلاثة لسوء توافق المسنين في أرذل العمر التي أشرنا إليها فيما سبق يمكن أن تظهر أيضًا في أيّ سنٍّ؛ فالشعور بالضيق والكرب والتعاسة قد ينشأ لدى الإنسان -في أي عمر- نتيجة حزنه الشديد على فقدان عزيز, ونقص الكفاءة قد يظهر أيضًا في أيِّ سن إذا كانت المطالب أكبر من قدرات الفرد, أو إذا عومل على أنه لا يتوقع منه إلا الفشل, وإزعاج الآخرين قد يترتب على سلوك الشخص في أي سن أيضًا, نتيجة عدم الحساسية, أو نقص الفهم للموقف الذي يوجد فيه, أو التغير في أسلوب الحياة داخل الأسرة, إلّا أن هذه الخصائص جميعًا إذا حدثت في أيّ طور آخر غير أزذل العمر تكون مؤقتة, وتتطور نحو الأحسن "أو الأفضل"، إلّا في هذا الطور فإنها تظل مستقرة إن لم تتدهور نحو الأسوأ "أو الأرذل".
وصحيح أيضًا أن الإنسان تحت ظروف الضغط أو الإجهاد قد يظهر في أي مرحلة عمرية بعض الميكانيزمات الدفاعية للتعامل مع الظروف المهددة لتوافقه.
وهذا ما يحدث أيضًا في طور أرذل العمر؛ فمعظم الحيل اللاشعورية التي تفيض بها المؤلفات المتخصصة تظهر في هذا الطور, وخاصة الإنكار والتبرير والإسقاط