ثالثًا: طور المضغة
ورد لفظ "المضغة" في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة باعتبارها طورًا تاليًا لطور العلقة "راجع الفصل الثالث", والمضغة في اللغة: هي ما يمضغ من اللحم, وهي تدل في علم الأجنة على طورٍ في النمو يشبه فيها الجنين في مظهره لقمة ممضوغة "Simpson et al chewed substance ١٩٨٥"
ويبدأ هذا الطور بعد تعلق الكرة الجرثومية بالرحم؛ حيث تتكون عندئذ ككتل داخلية من الخلايا, نتيجة نشاط ما يسمى الشريط الأولى primitive steak, ويؤدي تمايز هذه الطبقات إلى ظهور ما يسمى الكتل البدنية somites التي تبدأ بالتكثف حول المحور, ثم تنمو بسرعة على جانبيه، وتلامس الميزاب أو الشق العصبي neural groove. وتبدأ هذه الكتل في الظهور من أعلى بعد انقضاء ثلاثة أسابيع تقريبًا على الحمل, وتظهر منها أولًا كتلتان: واحدة على كل جانب، ثم يتوالى ظهورها تباعًا, وبنهاية الشهر الأول من حياة الجنين تتمايز هذه الكتل إلى ثلاث طبقات هي: الطبقة الخارجية ectoderm والتي منها ينمو بعد ذلك الجلد وأعضاء الحس والجهاز العصبي، والطبقة الداخلية endoderm والتي منها تنمو فيما بعد الأجهزة الهضمية والتنفسية والغدية، والطبقة المتوسطة mesoderm التي منها تنمو فيما بعد الأجهزة الدورية والإخراجية والعضلية.
ويبدأ طور المضغة منذ أوائل الأسبوع الثالث من حياة الجنين, ويمتد إلى نهاية الأسبوع السادس من عمره, أي: أن مدته الكلية حوالي أربعة أسابيع, وخلال هذا الطور تظهر الكتل البدنية التي أشرنا إليها، والتي يبلغ عددها من ٤٢-٤٥ زوجًا، فتعطي للجنين شكل اللحم الممضوغ, والنظر إلى صور الجنين في هذا الطور من حياة الإنسان يكشف لنا مرةً أخرى عن إعجاز التسمية القرآنية له بأنه طور "المضغة".
وتنمو المضغة من كتل كبيرة من الخلايا خلال فترة قصيرة لا تتجاوز ستة أسابيع إلى "طفل مصغر"، وهذا ما يصفه القرآن الكريم "بالمضغة المخلقة"؛ ففيها نجد جميع السمات الجوهرية للجسم الإنساني, سواء أكانت داخلية أو خارجية, ويتبع النمو في هذا الطور الاتجاه من أعلى إلى أسفل؛ فأكبر مقدار من النمو يطرأ على منطقة الرأس أولًا, بينما تكون الأطراف آخر ما ينمو, ومع مرور الوقت يمتد النمو إلى الجزء الأسفل من الجسم.
ولعل أهم تغير يطرأ على الطبقة الخارجية "وهو المسئولة عن التغذية" تكوين أربعة أغشية تهيئ للمضغة النمو. وأحد هذه الأغشية الكيس الأميني amniotic sac, وهو عبارة عن كيس ماءٍ محكمٍ يحيط بالمضغة ويمتلئ بالسوائل التي تصل إليه من أنسجة الأم, ووظيفة الكيس الأميني والسائل الأميني فيه "وهو