يطلق بياجيه على هذا الطور من النموّ الإنساني اسم طور العمليات العيانية أو المحسوسة Concrete Operations، وفيه تظهر العمليات الاستدلالية التي يمكن أن تتفق مع أسس المنطق, فالتفكير المنطقي -أو ما يسميه بياجيه التفكير الإجرائي Operational- لا يظهر إلّا حين تتوافر للطفل ذخيرة من المفاهيم التي تنتظم فيما بينها في نسقٍ متماسكٍ "أي: على هيئة مبدأ". وهذه الأنساق التي تشكِّل التفكير المنطقي أو الإجرائي تسمى العلميات Operations, والعمليات في هذا الطور توصف بأنها محسوسة أو عيانية Concrete, أي: تكون على اتصالٍ وثيق بأصولها الحسية الحركية, وهي في ذلك تشبه الإدراك بصفة عامة في أنها مقيدة بالزمن, ومحددة بترتيب زمني طبيعي معين, وتتضمن قدرًا ضيئلًا من التجريد Abstraction "ومعناه أن تكون الأفكار منفصلة عن الأشياء والأحداث في العالم الواقعي", وما يعين الطفل على القيام بالعمليات المحسوسة في هذا الطور اكتساب الطفل لمبدئي ثبات الكم والمقلوبية "راجع شرحهما بالتفصيل في الفصل السابق".
وتُفْهَمُ العمليات بطريقة أفضل في إطار الأبنية المنطقية -الرياضية التي تمثل الطبيعة الجوهرية للتفكير, فالمنطق -عند بياجيه- هو مرآة الفكر، ولكنه مثل مرآة سنووايت Snow White, تعكس الحقيقة وليس المظهر. وهذا لا يعني أن سلوك التفكير يمكن اختزاله إلى صيغ المنطق أو معادلات الرياضيات، كما لا يعني أن أحدهما يُعَدُّ نموذجًا للآخر، وإنما يعني أن الأبنية المنطقية الرياضية تُعَدُّ المستوى الأكثر عمومية, وتجريدًا في تحليل عمليات التفكير.
ومن أمثلة عمليات التفكير، الجمع والطرح والضرب والقسمة والمطابقة والتصنيف والترتيب, كما توجد عمليات "دون منطقية" infra-logical تتناول علاقات الموضع والمساقة، وعلاقات الجزء بالكل, وذلك بالنسبة للأشياء الحقيقية؛ لأن العمليات محسوسة كما قلنا.
وقد اهتم بياجيه في هذه المرحلة بأبنية منطقية تظهر فيها العمليات, يسميها "التجمعات groupments", ويوجد منها ٩ أنواع، ثمانية أنواع منها أولية, ونوع واحد فقط يعد ثانويًّا, ومن بين الأنواع الثمانية الأولية تظهر أربعة منها في عمليات أو قواعد يمكن تطبيقها على الفئات "التي تعتمد على التصنيف", وتظهر الأربعة الأخرى في علمياتٍ تطبق على العلاقات "التي تعتمد على الترتيب", وتوحد في كل حالة عمليات ثابتة لا تتغير هي عمليات التركيب والارتباط والذاتية والمقلوبية.